وليتأمَّل القاريءُ اللبيبُ القصَّةَ التاليةَ: «قَالَ أبو جعفر بن أبي علي الحافظ: سمعت أبا المعالي الجوينيَّ وقدْ سُئِلَ عنْ قولهِ تَعَالَى: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]؟ فقالَ: كَانَ الله وَلاَ عرش - وجعلَ يتخبَّطُ فِي الكلامِ - فقلتُ: قَدْ علمنا مَا أشرتَ إِلَيْهِ، فهلْ عندكَ للضَّروراتِ منْ حيلةٍ؟ [أي: كيفَ تصنع بهذه الضرورة الموجودة في قلوبنا؟] (?) فقالَ: مَا تريدُ بهذا القولِ وما تعني بهذهِ الإشارةِ؟ فقلتُ: مَا قَالَ عارفُ قطُّ يَا ربَّاهُ إلَّا قبلَ أنْ يتحرَّكَ لسانهُ، قامَ منْ باطنهِ قصدٌ لاَ يلتفتُ يمنةً وَلاَ يسرةً يقصدُ الفوقَ، فهلْ لهذا القصدِ الضروريِّ عندكَ منْ حيلةٍ؟ فنبئنا نتخلَّصُ مِنَ الفوقِ والتَّحتِ، وبكيتُ وبكى الخلقُ، فضربَ الأستاذُ بكُمِّهِ عَلَى السريرِ وصاحَ: يَا للحيرةِ، وخرق مَا كَانَ عَلَيهِ وانخلعَ، وصارتْ قيامةٌ فِي المسجدِ، ونزلَ، ولم يجبني إلَّا: يَا حبيبي الحيرةَ الحيرةَ، والدهشةَ الدهشةَ. فسمعتُ بعدَ ذَلِكَ أصحابهُ يقولون: سمعناه يقولُ: حيَّرني الهمدانيُّ» (?).
قَالَ شيخُ الإسلامِ تعليقًا عَلَى هَذَا الكلام: «فهذا الشَّيخُ تكلَّمَ بلسانِ جميعِ بني آدمَ، فأخبرَ أنَّ العرشَ والعلمَ باستواءِ الله عَلَيهِ إنِّما أُخِذَ منْ جهةِ الشَّرعِ وخبرِ الكتابِ والسنَّةِ، بخلافِ الإقرارِ بعلوِّ اللهِ عَلَى الخلقِ مِنْ غيرِ تعيينِ عرشٍ وَلاَ استواءٍ؛ فإنَّ هَذا أمرٌ فطريٌّ ضروريٌّ نجدهُ فِي قلوبنا نحنُ وجميعُ منْ يدعو الله تعالى، فكيفَ ندفعُ هذهِ الضَّرورةَ عنْ قلوبنا؟!» (?).