ونذكرُ في هذا المقامِ: ما جرى بينَ شيخِ الإسلامِ وبينَ أحدِ المشايخِ النَّافينَ للعلوِّ، يقولُ شيخُ الإسلامِ مخبرًا عنْ ذلكَ: «ولقدْ كانَ عندي منْ هؤلاءِ النَّافينَ لهذا - يعني صفةَ العلوِّ - منْ هوَ منْ مشايخهم، وهوَ يطلبُ منِّي حاجةً، وأنا أُخاطبهُ في هذا المذهبِ كأنِّي غيرُ منكرٍ لهُ، وأخَّرتُ قضاءَ حاجتِهِ حتَّى ضاقَ صدرهُ، فرفعَ طرفهُ ورأسهُ إلى السَّماءِ، وقالَ: يا الله. فقلتُ لهُ: أنتَ محققٌ لمنْ ترفعُ طرفكَ ورأسكَ؟! وهل فوقَ عندكَ أحدٌ؟ فقالَ: أستغفرُ الله، ورجعَ عنْ ذلكَ لمَّا تبيَّنَ لهُ أنَّ اعتقادَهُ يخالفُ فطرَتهُ، ثمَّ بيَّنتُ لهُ فسادَ هذا القولِ، فتابَ منْ ذلكَ، ورجعَ إلى قولِ المسلمينَ المستقرِّ في فِطْرَتِهم» (?).

وقدْ اعترضَ على الدَّليلِ الفطريِّ: أنَّ ذلكَ إنَّما لكونِ السَّماءِ قبلةَ الدعاءِ، كمَا أنَّ الكعبةَ قبلةٌ للصَّلاةِ، ثمَّ هوَ منْقوضٌ بوضعِ الجبْهةِ على الأرضِ معَ أنَّهُ ليسَ في جهةِ الأرضِ. وهذا الكلامُ باطلٌ معلومٌ بالاضطرارِ بطلانُهُ، مخالفٌ لصريحِ المعقولِ، وصحيحِ المنقولِ عنْ الرسولِ صلى الله عليه وسلم. وذلكَ يظهرُ بوجوهٍ:

أحدُها:

أنَّ قولَكُم: إنَّ السَّماءَ قبْلَةُ الدُّعاءِ لمْ يقلْهُ أحدٌ منْ سلفِ الأمَّةِ، ولا أنْزلَ اللهُ بهِ منْ سُلطانٍ، وهوَ قولٌ مُحْدَثٌ، ومخالفٌ لإجماعِ المسلمينَ، ولما عُلِمَ بالاضطرارِ منْ دينِ الإسلامِ، فيكونُ منْ أبطلِ الباطلِ.

الوجهُ الثاني:

أنَّ توجُّهَ الخلائقِ بقلوبهم وأيديهم وأبصارهم إلى السَّمَاءِ حالَ الدُّعاءِ أمرٌ فطريٌّ ضروريٌّ لا يختصُّ بهِ أهلُ المللِ والشرائعِ؛ والمسْتقبلُ للكعبةِ يعْلمُ أنَّ الله تعالى ليسَ هناكَ، بخلافِ الدَّاعي، فإنَّه يتوجَّهُ إلى ربِّهِ وخالقهِ، ويرجو الرَّحمةَ أنْ تَنْزِلَ منْ عندهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015