وجميعُ الطوائفِ تنكرُ قولَ المُعَطِّلةِ إلَّا منْ تلقَّاهُ منهم، وأمَّا العامَّةُ منْ جميعِ الأممِ ففِطَرُهُمْ جميعهم مُقِرَّةٌ بأنَّ الله فَوْقَ العَالَمِ، وإذا قيلَ لهم لا داخلَ العالمِ ولا خارجَهُ ولا فوقَهُ ولا تحتَهُ، ولا تُرفعُ إليهِ الأيدي ولا تتوجَّهُ إليهِ القلوبُ نحوَ العلوِّ أنكرتْ فطرهُمْ ذلكَ غايةَ الإنكارِ ودفعتهُ غايةَ الدفعِ (?). ومنهمْ منْ لا يصدِّقُ أنَّ عاقلًا يقولُ ذلكَ، لظهورِ هذه القضيةِ عندهم، واستقرارِهَا في أنفسهم، فينسبونَ منْ خالفها إلى الجنونِ (?).
قالَ ابنُ القيِّم رحمه الله:
وَعُلُوُّهُ فَوْقَ الخَلِيقَةِ كُلِّهَا ... فُطِرَتْ عَلَيْهِ الخَلقُ والثَّقلانِ
لاَ يَسْتَطيعُ مُعَطِّلٌ تَبْدِيلَهَا ... أبَدًا وَذَلِكَ سُنَّةُ الرَّحْمَنِ
كُلٌّ إذَا مَا نَابَهُ أمْرٌ يُرَى ... مُتَوجِّهًا بِضَرُورَةِ الإِنْسَانِ
نَحْوَ العُلُوِّ فَلَيْسَ يَطْلُبُ خَلْفَهُ ... وَأمَامَهُ أوْ جَانِبَ الإِنْسَانِ (?)
يقولُ شيخُ الإسلامِ رحمه الله في تقريرِ ذلكَ: « ... وأنَّ الخلقَ كلَّهم إذا حزبهمْ شدَّةٌ أو حاجةٌ في أمرٍ، وجَّهوا قلوبهمْ إلى الله يدْعونهُ ويسألونهُ؛ وأنَّ هذا أمرٌ متَّفقٌ عليهِ بينَ الأمم التي لمْ تغيَّر فطرتها، لم يحْصل بينهم بتواطىءٍ واتفاقٍ. ولهذا يوجدُ هذا في فطرةِ الأعْرابِ والعجائزِ والصِّبيانِ مِنَ المسْلمينَ واليهودِ والنَّصارى والمشْركينَ، ومنْ لمْ يقرأ كتابًا، ولمْ يتلقَّ مثلَ هذا عنْ معلِّمٍ ولا أسْتاذٍ ... » (?).