قالَ أهلُ السنَّةِ: خلقَ اللهُ السَّماواتِ والأرضَ، وكانَ عرشُهُ على الماءِ مخلوقًا قبلَ خلقِ السَّماواتِ والأرضِ، ثمَّ استوى على العرشِ، بعدَ خلقِ السَّماوات والأرضِ، على ما وردَ بهِ النَّصُّ، وليسَ معناهُ: المماسَّة، بل هوَ مُسْتَوٍ على عَرْشِهِ بلا كَيْفٍ، كمَا أخبرَ عنْ نفسهِ.

وزعمَ هؤلاءِ: أنَّهُ لا يجوزُ الإشارةُ إلى الله سبحانهُ بالرؤوسِ والأصابعِ إلى فوق، فإنَّ ذلكَ يوجبُ التَّحديدَ.

وقدْ أجمعَ المسلمونَ أنَّ الله هوَ العليُّ الأعلى، ونطقَ بذلكَ القرآنُ في قوله: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى *} [الأعلى: 1].

وزعموا أنَّ ذلكَ بمعنى: علوِّ الغلبةِ، لا علوِّ الذَّاتِ. وعندَ المسلمينَ: أنَّ لله عزَّ وجلَّ عُلُوَّ الغَلَبَةِ، والعُلُوَّ منْ سائرِ وجوهِ العُلُوِّ، لأنَّ العلوَّ صفةُ مدحٍ، فثبتَ أنَّ لله تعالى علوَّ الذَّاتِ، وعُلُوَّ الصِّفاتِ، وعُلُوَّ القَهْرِ والغَلَبَةِ.

وفي منعهم الإشارةَ إلى الله سبحانهُ مِنْ جهةِ فوق، خلافٌ منهم لسائرِ المللِ؛ لأنَّ جماهيرَ المسلمينَ وسائرَ المللِ، قدْ وقعَ منهمُ الإجماعُ عَلَى الإشارةِ إِلَى اللهِ جَلَّ ثناؤهُ، منْ جهةِ الفوقِ فِي الدُّعاءِ والسؤالِ. فاتِّفاقهمُ بأجمعهمْ على ذلكَ حُجَّةٌ، ولمْ يَسْتَجِزْ أحدٌ الإشارةَ إليهِ منْ جهةِ الأسفلِ، ولا منْ سائرِ الجهاتِ، سوى جهةِ الفَوْقِ.

وقالَ الله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50]، وقالَ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]، وقال: {تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: 4]» (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015