قال رحمه الله في «اعتقاد أهل السنة والجماعة» له: «وأنَّ اللهَ على عَرْشِهِ بَائِنٌ منْ خَلْقِهِ، كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ في كِتَابِهِ وعلى لِسَانِ نَبِيِّهِ بلا كَيْفٍ، أحاطَ بكُلِّ شيءٍ علمًا وهو بِكُلِّ شيءٍ عليمٌ» (?).
قال في كتابهِ: الانتصارُ في الردِّ على المعتزلةِ القدريةِ الأشرارِ:
«قدْ ذكرنَا في أوَّلِ الكتابِ أنَّ عندَ أصحابِ الحديثِ والسُّنةِ أنَّ الله سبحانهُ بذاتهِ، بائنٌ عَنْ خَلْقِهِ، على العرشِ استوى فوقَ السَّمواتِ، غيرَ مماسٍ لهُ، وعِلْمُهُ محيطٌ بالأشياءِ كلِّها.
وقالتِ الكرَّاميةُ: إنَّهُ مماسٌّ للعرشِ.
وقالتِ المعتزلةُ: إنَّ ذاتَ الله بكلِّ مكانٍ حتى بالحشوشِ وأجوافِ الحيوانِ.
قيلَ لبشرٍ المريسيِّ: فهوَ في جوفِ حماركَ هذا؟ قالَ: نعمَ، وهذا قولُ الحلوليَّةِ وهوَ كفرٌ صريحٌ لا إشكالَ فيهِ.
وقالتِ الأشعريةُ: لا يجوزُ وصفهُ بأنَّهُ على العَرْشِ ولا في السَّماءِ.
ثمَّ ذكرَ آياتٍ وأحاديثَ دالَّةً على عُلُوِّ اللهِ إلى أنْ قالَ:
ولأنَّ المسلمينَ مُجْمِعُونَ عندَ الدُّعاءِ على رَفْعِ أَبْصَارِهِمْ وأَكُفِّهِمْ إلى نَحْوِ السَّماءِ؛ فَدَلَّ على صَحَّةِ ما قلناهُ.
ويقالُ لهم: إذا لم يَكُنِ اللهُ فوقَ العَرْشِ بمعنًى يختصُّ بالعرشِ كمَا قالَ أصحابُ الحديثِ، وكانَ بكلِّ مكانٍ، فقولوا: إنَّهُ تحتَ الأرضِ والسَّماءُ فوقهَا فهوَ تحتَ التَّحْتِ وأنَّهُ فَوْقَ الفَوْقِ والأشياءُ تحتَهُ وهذا متناقضٌ.
فإنِ احتَجُّوا بقوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة: 7]، وبقوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4].