وقال عزَّ وجلَّ: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 18]، وقال عزَّ وجلَّ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ *} [الملك: 16، 17]. والدليلُ على ذلكَ الآياتُ التي فيها ذكرُ إنزالِ الوحيِ.

ثمَّ عقدَ فصلًا في بيانِ أنَّ العرشَ فوقَ السَّماواتِ، وأنَّ الله عزَّ وجلَّ فَوْقَ العَرْشِ، ثمَّ ذكرَ آياتٍ وأحاديثَ دالَّةً على عُلُوِّ اللهِ ثمَّ قالَ:

قالَ علماءُ أهلِ السنَّةِ: إنَّ الله عزَّ وجلَّ على عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خلقهِ، وقالتِ المعتزلةُ: هوَ بذاتهِ في كلِّ مكانٍ، وقالتِ الأشعريةُ: الاستواءُ عائدٌ على العرشِ.

ولو كانَ كما قالوا، لكانتِ القراءةُ برفعِ العرشِ، فلمَّا كانتْ بخفضِ العرشِ دلَّ على أنَّهُ عائدٌ إلى الله تعالى.

وقالَ بعضُهم: استوى بمعنى استولى، قالَ الشاعرُ:

استوى بِشْرٌ على العراقِ ... منْ غيرِ سيفٍ ودمٍ مهراق (?)

والاستيلاءُ لا يُوصَفُ بهِ إلَّا منْ قدرَ على الشَّيءِ بعدَ العجزِ عنهُ. واللهُ تعالى لم يَزَلْ قادرًا على الأشياءِ ومستوليًا عليها. ألا ترى أنَّهُ لا يُوصَفُ بِشْرٌ بالاستيلاءِ على العراقِ إلَّا وهوَ عاجزٌ عنهُ قبلَ ذلكَ (?).

وزعمَ هؤلاءِ: أنَّ معنى قولهِ: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]، أي مَلَكَهُ، وأنَّه لا اختصاصَ لهُ بالعرشِ، أكثر ممَّا لهُ بالأماكنِ، وهذا إلغاءٌ لتخصيصِ العرشِ وتشريفهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015