وقد ذكر الخلال (?) بإسناده عن عبد الرحمن بن مهدي وذكر هؤلاء، فقال: "لا تُجالِسوهم ولا أصحابَ الكلام، وعليكم بأصحاب القَماطِر، فإنهم بمنزلة المعادِن والغواصين، هذا يُخرِج دُرةً، وهذا يخُرِج قطعة ذهب".
وكان الشافعي سيءَ الظن بالطائفتين شديدَ الطعن فيهم: طائفة المتكلمين وأهل البدع من الصوفية، وكلامه فيهما مشهور، حتى قال: لو تصوَّفَ في أول النهار لم يأتِ نصفُ النهار إلا وهو أحمق (?).
وأما أئمة الصوفية أهل العلم والاتباع والتعبد بالكتاب والسنة فهم من ورثة الأنبياء وأئمة المتقين، وكلماتهم دواءٌ للقلوب، وهم حجة على هؤلاء، وكلامهم في الوصية باتباع الكتاب والسنة كثير، مثل قول شيخهم على الإطلاق أبي القاسم الجنيد: من لم يقرأ القرآنَ ويكتب الحديثَ فلا يُقتدَى به في هذا الشأن (?). وقوله: الطرق كلها مسدودةٌ على الخلق إلا من اقتفَى أثرَ الرسول. وقول أحمد بن أبي الحواري: كل من عَمِلَ عملًا بلا اتباعِ سنةٍ فباطل عمله. وقول سهل بن عبد الله: كلُّ فعلٍ يفعله العبد بغير اقتداء فهو عيشُ النفس، وكل فعل يفعله بالاقتداء فهو عذابٌ على النفس. ومثل هذا كثير، فالمهتدون من مشايخ الصوفية دائمًا يَحرِصون على العلم، ويُوصُون باتباعه، لما علموا