فصل
وأما كون ذلك الصوفي "كان يحضر مواضعَ السماع فإن استطابه فرشَ إزارَه وجلس، وقال: الصوفي مع قلبه، وإن لم يَستطِبْه مرَّ وأخذ نعليه"، فيا عجبًا! أيشٍ في هذه الحكاية ما يدل على حكم السماع؟ وإن كان صاحبها صادقًا صالحًا فليس بمضمون العصمة، وله أسوةُ أمثاله من السماعاتية. على أن هذا الفعل وأمثاله عليه بينة في طريق القوم، فإن وقوف المريد مع [ما] يَستطِيبه قلبُه عينُ حظِّه وإرادته، وهذه الطريق كثير من القوم يسلكها، وهي المشي مع طِيْبِ القلب وذوقه ووَجْده من [غير] اعتبارِ ذلك بالكتاب والسنة، وهذا ضلال بعيد في الطريق، وهو مبدأ ضلالِ من ضلَّ من العبَّاد والنسَّاك والمنتسبين إلى طريق الفقر والتصوف.
وحقيقة هذه الطريق اتباع الهوى بغير هدى من الله، وهذا هو الذي ذمَّه العارفون بالله وبأمره من مشايخ الطريق، ومجردُ طِيْب القلب ليس دليلًا على أنه إنما طاب بما يحبه الله ويرضاه، بل قد يطيب بما لا يحبه الله ويرضاه بل بما يكرهه ويسخطه، لاسيما القلوب التي أُشرِبَتْ حبَّ الأصوات الملحنة، فإنها طُيِّبتْ بما يُنبِتُ النفاقَ في القلب.
وإطلاق القول بأن الصوفي مع قلبه هو من جنس ما ذُمّ به هؤلاء، حتى جُعلوا من أهل البدع، لأنهم أحدثوا في طريق الله أشياءَ لم يشرعها الله ولا رسوله.