- صلى الله عليه وسلم -: "أحبُّ العمل إلى الله ما داومَ عليه صاحبُه" (?). وهذا إنما هو في السماع القرآني لا في السماع الشعري، فإنَّه دائم بدوام المتكلم به، تزول الدنيا بأهلها وهو دائم لا يزول، وإذا سمعه المؤمنون في الجنة من الرحمن -عز وجل- فكأنهم لم يسمعوه قبل ذلك، وتُنسِيهم لذةُ سماعه ما هم فيه من النعيم حتى يستفرغ جميع ما هم فيه من النعيم، كما يُنسِيهم ذلك لذةُ نظرِهم إلى وجهه، وما أقلَّ نصيبَ أصحابِ الصور والأصوات من هذا النظر والسماع!
نَزِّهْ لِحاظَكَ عن سِواه إن تُرِدْ ... نظرًا إليهِ في محلِّ ثوابِهِ
وكذاك سَمْعَك صُنْه عن سَمْعِ الغِنا ... لِيَلَذَّ يومَ لقائِهِ بخِطابِهِ
أترُومُ رؤيتَه بمُقْلةِ خائنٍ ... هيهاتَ إنَّ مُطيعَه أولى بِهِ
ويَرُوم سَمْعٌ قد تَمَلىَّ بالغِنا ... أن يَستلِذَّ خِطابَه بكتابه
هيهاتَ ما أدنَى المحالَ من الأُلىَ ... طلبوا الوصولَ وما أتوا من بابِهِ (?)
وقوله: "ينبغي أن يكون لصاحب السماع ظمأٌ دائم وشرب دائم، كلما ازداد شربه ازداد ظمؤه" حق، ولكن ظمأٌ إلى ماذا؟ وشربٌ من ماذا؟ فمحبُّ الرحمن وكلامه، الذي فَنيَ بكلام محبوبه عن كلام غيره، وبسماعه عن سماع غيره، وبمراده عن مراد نفسه، له ظمأٌ دائم إلى كلام محبوبه، لا يزال عطشان، كلما ازداد شربًا ازداد ظمأً، وكلما ازداد له