وقد عُلِمَ أن سماعَ المكاءِ والتصدية مما ذكر الله في القرآن من المشركين، ولا يخلو من نوع شرك جلي أو خفي، ولهذا تَضِلُّ عنهم تلك الأمور الباطلة أحوجَ ما كانوا إليها، حتى يبدو لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون، حتى يرونها: {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور: 39].
ومع هذا فقد يكون في تلك المعاني التي تشهد وتحتجب من حقائق الإيمان ما يفرح به المؤمنون أيضا، ولولا ما فيه ما التبس أمره على فريق من المؤمنين، ولكن لُبِّسَ فيه الحق بالباطل، وبالحق الذي فيه نفَقَ على من نفَقَ عليه من المريدين، لكن لضعف إيمانهم نفَقَ عليهم، ولو تحققوا بكمال الإيمان لتبين لهم ما فيه من موادِّ الشرك والنفاق والفسوق ولَبْسِ الحق بالباطل، وقد يبيّن الله سبحانه ذلك لمن أراد أن يُكمِل إيمانه منهم، فتابوا منه كما يتاب من الفواحش والمعاصي الظاهرة، كما تاب مَن تاب من أكابر العلماء مما دخلوا فيه من البدع الكلامية، وأبى غيرهم إلا إصرارًا وإقامة ما هو ميسَّرٌ لهم، تظهر بهم وفيهم حكمةُ الله وحِلمُه، وهو أحكم الحاكمين.
فصل
وأما قول الحصري: "أيش أعملُ بسماعٍ ينقطع إذا انقطع من يسمع منه؟ " إلى آخره، فهذا الكلام من أبين العيب والذم لأهل هذا السماع، فإنه منقطع، ومن يسمع منه منقطع، والمؤمن عمله دِيْمَةٌ كما قال النبي