الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)} [الأعراف: 33].
فصل
وأمّا قول رُوَيم: وقد سئل عن وجود الصوفية عند السماع فقال: "يشهدون المعاني التي تَعزُب عن [غيرهم]، فتشير إليهم إليَّ إليَّ"، فهذا وصف لما يعتريهم من الحال، وليس في ذلك ما يقتضي مدحًا ولا ذمًّا. وغايتهم أنهم يشهدون بقلوبهم معاني يفرحون بها، والفرح يتبع المحبة، فمَن أحَّب شيئًا فرحَ بوجوده وتألم بفقده، والمحبوب المفروح به قد يكون نافعًا وقد يكون ضارًّا، فإذا كان نافعًا كانت محبته حقّا، وإن كان ضارًّا كانت محبته باطلًا. قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165]. وقال تعالى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} [البقرة: 93].
وقد يكون العبد محبّا لله صادقًا في ذلك، لكن يكون ما يشهده من المعاني المفرحة خيالاتٍ لا حقيقةَ لها، فيفرح بها، ويكون فرحُه بغير الحق، وذلك مذموم، فيكون له نصيب من قوله: {ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ} [غافر: 75]. وما أوفرَ نصيبَ السماعاتية من هذا الفرح والمرح! وما أشدَّ الخوفَ عليهم مما ذكر بعده! وإلى [الله] الرغبة في التوفيق.