أوراده بواردِه، فضلًا عن فراغه لصفاتِ ليلى وسُعدى ومَيّ، والعبور من هذا السماع إلى الأسماء والصفات. فما هذا التناقض واللعب؟ وهل يُبقيْ سلطانُ التوحيد وظهور أحكام الحقيقة في القلب والسمع موضعًا لسماع غير كلام المحبوب وذكر أسمائه وصفاته؟
ويقال رابعًا: لو كان هذا الذوق والاعتبار صحيحًا، لكان حصوله وتناوله من كلام المحبوب الذي لهذا القصد تكلّم الله به، وأنزله إلى عباده، وتعرَّف به إليهم، ودلهَّم به عليه، وهداهم به إليه. وأمَّا سماع الغناء فإنما وُضِعَ لأمر آخر، فلا يُلبِّسوا على أهله وعلى أهل القرآن، فإنه إنما وُضِع للفتنة لا للعبودية، وللنفاق لا للإيمان، وللفسوق والزنا لا للرشد والصلاح، وما جاء منه غير ذلك فبالعرض لا بالقصد.
والفتنة فيه من وجهين: من جهة البدعة في الدين، ومن جهة الفجور.
أمَّا البدعة فما يحصل به من الاعتقادات الفاسدة التي لا تَصلُح لله (?)، هذا مع ما يصدُّ عنه من الاعتقادات الصالحة والعبادات النافعة، إمّا بطريق المضادَّة، وإمّا بطريق الاشتغال، فإن النفس تشتغل وتستغني بهذا عن هذا.
وأمّا الفجور في الدنيا فلِما يحصل به من دواعي الزنا والفواحش والإثم، فأصول المحرمات الأربعة قد تحصل فيه، وهي المذكورة في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ