فصل
* قال صاحب الغناء (?): الصوت الحسن يُطيِّب السير، ويقطع المشاقّ، ويَحمِل سامعُه معه ما لا يحمله بدونه، ولهذا لما حَدَا ذلك الغلام بالإبل قطعَتْ مسيرة ثلاثة أيام في يوم، فلما حطَّ عنها أحمالها ماتت، فإن طيب الصوت هوَّن عليها مشقةَ الحمول فلم تُحِسَّ بها، فلما وضعت عنها أحمالها فرغت قواها.
قال أبو بكر الدُّقِّي (?): وحدا هذا الغلام بجَملٍ، فهامَ على وجهه، وقطعَ حباله، قال: ولم أسمع صوتًا أطيبَ منه، ووقعتُ لوجهي حين سمعته، حتى أشار عليه سيدُه بالسكوت، فسكت.
* قال صاحب القرآن: لا ريبَ أن الصوت المتناهي في الحسن يُحرِّك النفوس تحريكًا عظيمًا جدًّا خارجًا عن العادة، وقد شاهد الناس وسمعوا من ذلك ما هو معلوم، والأصوات من أعظم المحركات للنفوس، ولا يُعادِلُها شيء في حركة النفوس إلا الصور، فإذا اتفق قوة المؤثر واستعداد المحل قوي التأثير، حتى يغيب عن الحسِّ أحيانًا، ويحول بين سامعه وبين مباشرة المؤلم المؤذي، فلا يَشعُر به.
وإذا صادف محلًّا مستعدًّا كصِغَرٍ أو أنوثةٍ أو جزعٍ أو فرحٍ أو قوةِ حبٍّ أو رياضةٍ ولطافةِ روحٍ، حرَّكهُ غايةَ الحركة، وأزعجَ قاطنَه، وأثار