ذم الصوت الفظيع ليس مطلقا

كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستمع لقراءته وقال: "مررتُ بك البارحةَ وأنت تقرأ، فجعلتُ أستمع لقراءتك"، فقال: لو علمتُ أنك تسمع لحبَّرتُه لك تحبيرًا. وقال: "لقد أوتي هذا مِزمارًا من مزامير آل داود" (?).

وأما استعمال النعم في المباح المحض فإنه لا يكون طاعةً، فكيف في المكروه أو المحرم؟

وأيضًا فمن المعلوم أن المال نعمة، والجمال نعمة، والقوة نعمة، فهل يسوغ لأحد أن يقول: كون ذلك نعمةً يقتضي جوازَ استعمالها فيما لم يأذن له فيه ربُّ النعمة؟ وهل الاستدلال بهذا إلا بمنزلة الاستدلال بنعم الله من السلطان والمال والقوة، على ما تتقاضاه الطباع من الظلم والفواحش ونحوها؟ فاستعمال الصوت الحسن في الأغاني، بمنزلة استعمال الصورة الحسنة في الفواحش، واستعمال الجاه والمال في الظلم والعدوان.

وأيضًا فإن هذه النعمة يستعملها الكفار والفساق في أنواع من الكفر والفسوق، وأكثر ما يستعملها المؤمنون في الإيمان، فإن استمتاع الكفار والفساق بالأصوات المطربة أكثر من استعمال استمتاع المسلمين، فإن عند المسلمين من وازعِ الإيمان والعوض بالقرآن ما ليس عندهم، فأي حمدٍ لهذه النعم بذلك إن لم يستعمل في طاعة الله؟

وقولك: إن الله ذمَّ الصوت الفظيع، فغلطٌ بيِّن، فإن الله سبحانه لا يذمُّ العبد على ما ليس من كسبه وفعله، كما لا يذمُّه على دَمامتِه وقُبْح (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015