ونظير من قال: إذا أمر الله بإنفاق المال في سبيله، دل على فضيلة المال! ثمّ يحتج بذلك على جواز إنفاق المال واستحبابه في غير سبيله. ونظيره قول من يقول: إذا أمر الله بالاستعفاف بالنكاح دل على فضيلة النساء، ثمّ يحتج بذلك على جواز ما لم يأمر به من ذلك! وكذلك كل ما يُعِين على طاعة الله ومحابّه ومراضيه، ولا يدلُّ ذلك على أنه في نفسه محمود على الإطلاق، حتى يحتج على أنَّه محمود حال كونه معينًا على غير طاعة الله من البدع والفجور والمعاصي.
إذا ثبت هذا فتحسين الصوت نُدِب إليه، وحُمِد الصوت الحسن لما تضمنه من الإعانة على ما يحبه الله من سماع القرآن، ويحصُل به من تنفيذ معانيه إلى القلوب ما يزيدها إيمانًا، ويُقرّبها إلى ربها، ويُدنِيها من محابّه. فالصوت الحسن بالقرآن مُنَفّذ لحقائق الإيمان، مُعِين على إيصالها إلى القلوب، فكيف يُجعَل نظيرَ الصوت الحسن بالغناء الذي يُنبِت النفاقَ في القلب؟ وأخفُّ أنواعه وأقلُّها شرًّا ما وضعته الزنادقة يَصدُّون به الناس عن القرآن. فالصوت الحسن من هذا يُنفِّذ حقائقَ النفاق والفجور والفسوق إلى القلب، ولهذا يظهر في الأفعال وعلى اللسان. فالسماع الشيطاني الذي يتقرب به أهله إلى الله، يُنفِّذ الصوتُ الحسن فيه حقائقَ النفاق إلى القلب، والسماع الآخر الذي يعدُّه أهله لهوًا ولعبًا، يُنفِّذ ما يكرهه الله من شهوات الفسوق إلى القلب، فالاعتبار بحقائق المسموع، والصوت الحسن آلة ومنفِّذ.