شرف الإنسان

سر الصلاة ولبها إقبال القلب فيها على الله وحضوره بكليته بين يديه

وكان سرُّ الصلاة ولبُّها إقبال القلب فيها على الله وحضوره بكليته بين يديه، فإذا لم يُقبل عليه واشتغل بغيره ولها بحديث النفس، كان بمنزلة وافدٍ وفد إلى باب الملك معتذرًا من خطئه وزللِه، مستمطرًا لسحائب جوده ورحمته، مستطعمًا له ما يقوت قلبه، ليقوى على القيام في خدمته، فلمّا وصل إلى الباب ولم يبق إلا مناجاة الملك، التفت عن الملك وزاغ عنه يمينًا أو ولَّاه ظهره، واشتغل عنه بأمقت شيء إلى الملك وأقلِّه عنده قدرًا، فآثره عليه، وصيَّره قبلةَ قلبه، ومحلَّ توجهه، وموضع سِرّه، وبعث غلمانه وخَدَمَه ليقفوا في طاعة الملك، ويعتذروا عنه وينوبوا عنه في الخدمة، والملك شاهد ذلك ويرى حاله، ومع هذا فكرم الملك وجوده وسعة بره وإحسانه يأبى أن ينصرف عنه تلك الخدم والأتباع، فيصيبها من رحمته وإحسانه، لكن فرق بين قسمة الغنائم على أهل السُّهمان من الغانمين وبين الرَّضْخ لمن لا سهمَ له، {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [الأحقاف: 19].

والله سبحانه خلق هذا النوع الإنساني لنفسه، واختصَّه، وخلق له كل شيء، كما في الأثر الإلهي: "ابنَ آدم خلقتُك لنفسي، وخلقت كل شيء لك، فبحقِّي عليك لا تشتغلْ بما خلقته لك عما خلقتك له" (?).

وفي أثر آخر: "خلقتك لنفسي فلا تلعبْ، وتكفلتُ برزقك فلا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015