والثالث بمنزلة رجل عطَّلها وأهملها وأرسل ذلك الماء ضائعًا في القِفار والصحاري، فقعد مذمومًا محسورًا، فهذا مثال أهل الغفلة، والذي قبله مثال أهل الخيانة والجناية، والأول مثال أهل اليقظة والاستعداد لما خُلقوا له.

فالأول إذا تحرّك أو سكن أو قام أو قعد أو أكل أو شرب أو نام أو لبس أو نطق أو سكت كان ذلك كله له لا عليه، وكان في ذكر وطاعة وقربة ومزيد.

والثاني إذا فعل ذلك كان عليه لا له، وكان في طرد وإبعاد وخسران.

والثالث إذا فعل ذلك كان في غفلة وبطالة وتفريط.

فالأول يتقلب فيما يتقلب فيه بحكم الطاعة والقربة.

والثاني يتقلب في ذلك بحكم الخيانة والتعدي، فإن الله لم يُملِّكه ما ملكه ليستعين به على مخالفته، فهو جانٍ متعدٍّ خائن لله في نعمه، معاقَبٌ على التنعم بها في غير طاعته.

والثالث يتقلب في ذلك ويتناوله بحكم الغفلة وبهجة النفس وطبيعتها، لم يبتغِ بذلك رضوان الله والتقرب إليه، فهذا خسران بيّن، إذ عطَّل أوقاتَ عمره التي لا قيمة لها عن أفضل الأرباح والتجارات.

فدعا الله سبحانه الموحدين إلى هذه الصلوات الخمس رحمةً منه عليهم، وهيّأ لهم فيها أنواعَ العبادة، لينال العبد من كل قول وفعل وحركة وسكون حظَّه من عطاياه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015