هو الذي تاجرَ الله بأربح التجارة، وباع نفسَه لله بأربح البيع، والصلاة وضعت لاستعمال الجوارحِ جميعِها في العبودية تبعًا لقيام القلب بها.
الثاني: مَن استعملها فيما لم تُخلَق له، ولم يُخلَقْ لها، فهذا هو الذي خاب سعيه وخسرت تجارته، وفاته رِضَى ربِّه عنه وجزيلُ ثوابه، وحصل على سخطه وأليم عقابه.
الثالث: مَن عطّل جوارحَه وأماتهَا بالبطالة، فهذا أيضًا خاسرٌ أعظم خسارة، فإن العبد خُلِق للعبادة والطاعة لا للبطالة، وأبغض الخلق إلى الله البطَّال الذي لا في شغل الدنيا ولا في سعي الآخرة، فهذا كَلٌّ على الدنيا والدين.
فالأول كرجل أُقطِع أرضًا واسعةً، وأُعِين بآلاتِ الحرث والبذار، وأُعطي ما يكفيها لسقيها، فحرثَها وهيّأها للزراعة، وبذَرَ فيها من أنواع الغلال، وغَرَسَ فيها من أنواع الثمار والفواكه المختلفة الأنواع، ثم لم يُهمِلها، بل أقام (?) عليها الحرسَ وحفظها من المفسدين، وجعل يتعاهدها كل يوم فيصلح ما فسدَ منها، ويَغرِس عوضَ ما يَبِسَ، ويَنفِي دغلَها، ويقطع شَوكَها، ويستعين بمغلّها على عمارتها.
والثاني بمنزلة رجل أخذ تلك الأرض، فجعلَها مأوى للسباع والهوامّ ومطرحًا للجِيَفِ والأَنتان، وجعلها معقلًا يأوي إليه كلُّ مفسد ومؤذٍ ولصّ، وأخذ ما أعين به على بذارها وصلاحها، وصرفه معونة ومعيشة لمن فيها من أهل الشر والفساد.