مثال صاحب السماع الشعري وصاحب السماع القرآني

ولا ريب أن الصادق قد يجد في سماع الأبيات ذوقًا صحيحًا إيمانيًّا، ولكن ذلك بمثابة من سُقِيَ عسلًا في إناء نجس، كإناء من جلد ميتة غير ذكيّ، والنفوس الصادقة التي عَلَتْ هِممُها تنبو عن الشرب في ذلك الإناء وتقذره، وتأنف أن تشرب فيه، بل تطلب الشربَ من إناء يصلح لذلك الشراب ويناسبه، فإن لم تجده صانت الشراب عن وضعه في ذلك الإناء، وانتظرتْ به إناءً يليق به. وغيرها من النفوس تضع ذلك الشراب في أي إناء وجدتْه، من عظامِ ميتة أو جلدِ ميتة وإناءِ خمرٍ طالما شُرِب به الخمرُ، وأُكِلت فيه الميتة.

أفلا يستحيي العارف أن يشرب أطهر الشراب وأطيبه في آنية المسكر والميتة والدم ولحم الخنزير؟ ولوجود الصادق في حال سماعه ذلك الذوقَ وحلاوتَه يغيب عن قذارة الإناء ونجاسته ووَضَارته، فإذا فرغ من شربه وجد زُهُومةَ ذلك الإناء وآثارَ قذارته على قلبه، فيوجب له ذلك قبضًا ووحشة. وبالله التوفيق.

هذا إذا كان صاحب السماع صادقًا في حاله مع الله وذوقه، وكان سماعه بالله ولله، وأمَّا إن كان سماعه للذة وحظ النفس فهو يشرب الماء النجس في الإناء القذر.

وأمَّا صاحب السماع القرآني الذي ذوقه وشربه منه، فهو يشرب الشراب الطهور في أنظف إناء وأطيبه.

فالآنية ثلاثة: نظيف ونجس ومختلط. والشراب ثلاثة: طاهر ونجس وممزوج. والقلوب ثلاثة: صحيح سليم فشربه الشراب الطهور

طور بواسطة نورين ميديا © 2015