في الإناء النظيف، وسقيم مريض فشربه الشراب النجس في الإناء القذر، وقلب فيه مادتان فشرابه وإناؤه بحسب المادتين، وقد جعل الله لكل شيء قدرًا.
فصل
في الموازنة بين ذوق السماع وذوق الصلاة وبيان أن أحد الذوقين مباين للآخر، فإنه كلّما قوي ذوق أحدهما وسلطانه ضعف ذوق الآخر وسلطانه.
ولا ريب أن الصلاة قرة عين المحبين ولذة أرواح الموحدين، ومحكُّ أحوال الصادقين، وميزان أحوال السالكين، وهي رحمته المهداة إلى عبيده، هداهم إليها وعرَّفهم بها رحمةً بهم وإكرامًا لهم، لينالوا بها شرف كرامته والفوز بقربه، لا حاجة منه إليهم، بل منَّةً منه وفضلًا منه عليهم، وتعبد بها القلب والجوارح جميعًا، وجعل حظ القلب منها أكمل الحظين وأعظمهما، وهو إقباله على ربه سبحانه وفرحه وتلذذه بقربه وتنعمه بحبه وابتهاجه بالقيام بين يديه، وانصرافه حال القيام بالعبودية عن الالتفات إلى غير معبوده، وتكميل حقوق عبوديته حتى تقع على الوجه الذي يرضاه.
ولمّا امتحن سبحانه عبده بالشهوات وأسبابها من داخلٍ فيه وخارجٍ عنه، اقتضت تمام رحمته به وإحسانه إليه أن هيَّأ له مأدبة قد جمعت من جميع الألوان والتحف والخِلَع والعطايا، ودعاه إليه كل يوم خمس مرات، وجعل [في] كل لون من ألوان تلك المأدبة لذة ومنفعة