الماءانِ: الماء الصافي والكدر، وتجاورَ الخبيثُ والطيبُ، والتقتِ الوارداتُ الرحمانية والواردات الشيطانية.

والمستمع الصادق لغلبة صدقه وظهور أحكام القلب فيه يَخفَى عليه ذلك الوقتَ أثرُ الكدر، ولا يشعر به سيَّما مع سُكْر الروح به وغيبتها عن سوى مطلوبه، فلما أفاق من سُكره وفارق لذة السماع وطيبه وجد اللوثَ والكدرَ الذي هو أثر النفس والشيطان، وأثرُ (?) جُثوم الشيطان على قلبه، فأثَّر فيه ذلك الأثر قبضًا ووحشة، وأحسَّ به بعدًا، وكلما كان أصدق وأتمَّ طلبًا كان وجوده لهذا أظهر، فاستعداده وحياة قلبه يوجب له الإحساس بهذا، ولا يدري من أين أُتي.

وهذا له في الشاهد نظائر وأشباهٌ، منها: أن الرجل إذا اشتغل قلبه اشتغالًا تامًّا بمشاهدة محبوب، أو رؤية مخوف، أو لذة ملكتْ عليه حسّه وقلبه، إذا أصابه في تلك الحال ضربٌ أو لَسْعٌ أو سببٌ مؤلم لا يكاد يشعر به، فإذا فارقته تلك الحال وجد مسَّ الألم حتى كأنه أصابه تلك الساعة، والألم لم يزل فيه، لكن كان ثمَّ مانع يمنع من الإحساس به، فلمّا زال المانع أحسَّ بالألم. ولهذه النكتة كان بعض الصادقين منهم إذا فارق السماع بادر إلى تجديد التوبة والاستغفار، وأخذ في أسباب التداوي التي يدفع بها موجب أسباب القبض والوحشة والبعد.

وهذا القدر إنما يعرفه أولو الفقه في الطريق وأصحاب الفطن، المعتنون بتكميل نفوسهم، ومعرفة أدوائها وأدويتها. والله المستعان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015