الفرق بين السماع الشعري والسماع القرآني

فصل: ظهور الانحراف عن منهج السلف بسبب الهوى والرأي والتقليد

فههنا تُسكَب العبرات، ويتبيّن مَن هو عامل على حظه وإرادته من المحبوب، سواء أراده محبوبه أو لم يرده، وهو حال السماع الشعري الذي يثيره، و [من] هو عامل على مراد محبوبه منه ومرضاته، وهو حال السماع القرآني، فهذا لون، وهذا لون. وبين الحالين أبعد ما بين المشرقين، ولأجل الباطل الذي فيه تدخل الدواخل القادحة على مَن حضره من الصادقين، لأنه ربما غلب فيه سُكر النفوس على حظِّ القلوب والأرواح، فانغمر في حظ النفوس، وصار الحكم للغالب، ويصير النصيب خالصًا للنفس والشيطان.

فصاحب الحال المحمود في السماع قد يغلب عليه جانب الباطل، وينغمر الحق فيه ويستهلك، لكون صورة هذا السماع غير مشروعة، وليست من أمر الدين ولا من الإسلام، فهي صورة مبتدعة.

فلهذا السبب قد يقوى جانبُ النفس والشيطان فيه على جانب الحق، وتصير الحركة نفسانية لا قلبية، ولا يشعر صاحبها لغلبة حكم الوارد عليه، ونفس الحركة التي أثارها السماع ليست هي الميزان نفسها، بل هي الموزونة، فتستدعي ميزانًا يزنها به الصادق الناصح لنفسه العامل على مراد ربه لا على مراده هو، وحينئذٍ يتبين له هل هي حركة نفس أو حركة قلب في مرضاة المحبوب. فليتفطن اللبيب لهذا الموضع، وليقف فيه وقفةَ المتأمل، والله الموفق.

فصل

ولمّا تقادم العهد، وطال الأمد، دَرَستْ معالم الدين، وأخذ الناس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015