بُنَيَّاتِ الطريق، وصار الناس إلا الأقلّ كما قال الله -عز وجل-: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53]، فاستند كل قوم غير حزب الله ورسوله إلى ظُلَم آرائهم، وحكَّموا على السنة مقالات شيوخهم وطرائقهم وأهوائهم، وصار المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا، وصار الغالب على هذا الخلق الهوى المطاع، والرأي المعجَب به، والتقليد الذي ليس مع مقلِّده برهان من الله ولا بصيرة به، إنْ معه إلا قولُه: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف: 22].
فانحرفت لذلك الأعمال، وانقلبت الأذواق، وفسدت الأحوال، وصَدِئت القلوب، وكثير منها انتكس، فلا يعرف من المعروف إلا ما وافق هواه، ولا يُنكِر منه إلا ما خالف هواه، وهذا هو ميّت الأحياء، قال عبد الله بن مسعود: أتدرون ما ميت الأحياء؟ قالوا: لا، قال: هو الذي لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا. وقالوا له: يا أبا عبد الرحمن! هلك مَن لم يأمر بالمعروف وينهَ عن المنكر، فقال (?): هلك مَن لم يكن له قلب يعرف به المعروف والمنكر (?).
فلا يوجد غالبًا إلا ذوق منحرف في عمل منحرف صادر من قلب منحرف، فتخرج الأقوال والأحوال فيها من الانحراف ما فيها، فعظم