ثم يقال لك (?) ثانيًا:
الطباع البشرية فيك حيَّةٌ لم تمتْ، وإن ادّعيتَ غير هذا كذَّبتْك طباعك وبَشَريتك (?)، فإذا زعمتَ أنك تسمع للإشارة سبقك الطبع إلى مقصوده وحظه قبل أخذ الإشارة، ثم تُبرطِلُك نفسُك بتلك الإشارة، والطبع يعمل عملَه ويتقاضى حظَّه وأنت مشغول عنه بالإشارة، والإشارة لا تدوم، فإذا ترحَّلتْ عنك طالبك الطبعُ بحظِّه أتمَّ مطالبة، فأعلى أحوالك أن تقعَ في حومة الحرب والجهاد، فيُدَال على طبعك مرةً ويُدالَ عليك أخرى، والغالب أنك أسيرٌ معه تجعل حظَّه عبودية وقربة، وهذه نكتة السماع وسرُّه ولبُّه، فتكون أسوأ حالًا ممن سمعه لهوًا ولعبًا، وعدَّه معصية وذنبًا.
فليتأمل اللبيب الفطن هذا الموضع حقَّ التأمل، وليدقِّق النظرَ في هذا الداء (?) الذي اختطف من شاء الله رب العالمين، وما نجا منه إلا فرد تميز عن كثرة الهالكين، والله المستعان وعليه التكلان.
ثم يقال لك ثالثًا:
لو كان سماعك بالله وعن الله كما تقول، لدلَّت على صدقك شواهدُ ذلك من سماع كلامه وأسمائه وصفاته ومواعظه وترغيبه وترهيبه، وما يدعو إلى محبته ويباعد عن سخطه، ولم يكن سماعك لشيء لا يُشار به إلى الخالق، وإنما يُشار به إلى الخمر والسُّكر والمليحة