محبوبه. وتهييجُ السماع لهذا الحب الفاسد القاطع عن الله المبعد عنه، أعظم من تهييجه للحب الصحيح الموصل إليه، من وجوه عديدة.
أحدها: أن وضع الأشعار المسموعة المطربة فيه، إنَّما قيلت في الصور المعشوقة، من ذكر أو أنثى، فصورتها ومعناها ومضمونها إنما يناسب مَن قيلت فيه ومَن هو مثله، وكلّما كانت المناسبة أقوى كان التأثير والتأثر أتمَّ. وقد علم أرباب الخبرة من السماعاتية أن السماع (?) لا يكاد يخلو من عشق صورة البتة، إمّا حلالًا وإمّا حرامًا، وغالب عشاق الصور إنما يتعلق عشقُهم الصورَ المحرمة، وهم أركان السماع وأهل الذوق فيه.
وقد ركب الله سبحانه الطباع على شهوة الصور المستحسنة، وامتحن العباد بمجاهدة أنفسهم على الصبر وإيثار ما عنده، وشرع لهم من أوراد العبادات في ليلهم ونهارهم ما يستعينون به على محاربة داعي النفس والشيطان، من الصلوات الخمس وتوابعها من الصيام والحج والجهاد الظاهر والباطن، ومع هذا فغلبات الطباع ودواعي الهوى لن تترك العبد سليمًا.
وأعظم محرمات الهوى ودواعيه ثلاثة أشياء تُسْكِر الروح: النظر واستماع الغناء وشرب الخمر، فهذه الثلاثة هي أقوى أسباب العشق والفجور، والنفس الأمَّارة محبة لها مؤثرة لها، فجاء الشيطان إلى النفوس ودعاها من هذه الأبواب الثلاثة.