القاعدة الأولى: أن ينظر إلى ما في هذا السماع من المصلحة والمفسدة، فإن كانت مصلحته أرجح من مفسدته لم يكن حرامًا، وإن كانت مفسدته أرجح من مصلحته كان حرامًا، ولا تقتضي الشريعة غير هذا. ومعلوم قطعًا أن السماع المصطلح عليه المتعارف اليوم بين الناس مصلحته في مفسدته كتَفْلَةٍ في بحر، فإن كان فيه جزء من المصالح ففيه ثلاثة وعشرون جزءًا من المفاسد، فهو أشبه الأشياء بالخمر والميسر اللذين قال الله تعالى فيهما: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219].
ونحن لا ننكر أن في السماع لذةً وراحة ومنفعة، بل وفي الخمر والزنا وعامة المحرمات، لكن الشأن في تلك المنفعة هل هي راجحة على المضرة، أو المضرة راجحة عليها؟ فمَن احتج على حل السماع بما فيه من اللذة والراحة، فهو في غاية البعد عن الشرع، وعن معرفة أحوال القلوب وصلاحها وما يفسدها، ولولا سطوة الشرع ومظهره لكان هذا القائل ربما يحتج على حل الخمر والزنا بما فيهما من اللذة والمنفعة والراحة، ولكن القوم ليسوا بأصحاب حجج، وغالبهم واقف مع ذوقه.
فاعلم أن السماع يُهيِّج من القلب الحبَّ المشترك، فيشترك فيه محب الرحمن، ومحب الأوثان، ومحب الصلبان، ومحب الأوطان، ومحب النسوان، ومحب المردان، كل له نصيب وشِرْبٌ وذوق على حسب محبته، فإذا سمعه من هو مفتون بمحبة وثنه أو صليبه أو وطنه أو امرأة أو صبي، أثار من قلبه كامنَه، وأزعجَ منه قاطنَه، وهيَّجه وهيَّج منه ما يناسب حاله مع