سر تأثير السماع

وإذا كان حُداء الإبل يطيب لها السير، ويهون عليها حمل المشاقّ على غلظ أكبادها وكثافة طباعها، فما الظن بمَن أذابت نارُ المحبة قسوةَ قلبه، ولطفت طباعه إذا حدا له الحادي بما يناسب حاله.

ولا ريب أن السماع لا يُورِد على القلب حالًا ليست فيه، ولا يُحدث فيه إرادة ومحبة لم تكن، وإنما يثير ما كَمَن فيه، فهو بمنزلة الصَّوَّانِ (?) يَقدح في الزناد ما هو كامنٌ فيه من النار، لا أن الصوان أحدثَ النارَ في الزناد.

فإذا سمعه مَن في قلبه حب كامل، أو خوف أو رجاء أو اشتياق إلى أي مطلوب كان، هاج من قلبه ذلك الكامنُ، فأثَّر فيه السماع بحسب استعداده.

وسرُّ ذلك أن النغمات اللذيذة، ولطافة الألحان وحلاوتها وطيبها، يناسب لطافةَ ما كَمَن واستتر في قلب المحب من شواهد محبوبه، فيذكّره إيّاها، فيَهِيج لذلك وجدُه، ويتحرك حبه، وتلتهب نار الشوق في قلبه، وذلك كان مستورًا قبل السماع، ومتواريًا محجوبًا بالأمور الشاغلة عنه، فلمّا ورد عليه السماع أخلى باطنه عن تلك الشواغل، فخَمَدتْ وتوارتْ، فتحرك القلب بمقتضى ما سكن فيه من المحبة والشوق والوجد، وتوابع ذلك من الأنس والقرب أو الحزن والأسف على فوت حظه من محبوبه وبعده عنه، إلى غير ذلك من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015