إليه على غير دَرْبِ الإيمان والإحسان، فبُعدوا من مطلوبهم على قدر انحرافهم، فالصادقون من أرباب السماع شمَّروا إلى علم المحبة، ورأوا أن السماع من الأسباب التي يُتوصَّل بها إلى ظهور الكوامن الباطنة من محبة الله، والشوق إليه، والارتياح إلي قربه ولقائه، وتوابع ذلك من الحزن على التقصير والتفريط في طاعته في الأيام الخالية، والندمِ والأسفِ على ما فَرَطَ من العبد من أسباب عَتْبِ الله عليه، وإبعادِه إيَّاه، والخوف من طرده عن بابه، ووقوع الحجاب بينه وبين ربه، ورأوا حاديًا يحدو بالأرواح إلى بلاد الأفراح، فيطيب لها السيرُ، فإذا حدا لها الحادي جدَّتْ في السير على ظهور عَزَمَاتها، لا تَلْوِي على أهل ولا مال، كما قيل (?):
لها أحاديثُ من ذِكراك تَشْغَلها ... عن الشرابِ وتُلْهِيها عن الزادِ
لها بوجهكَ نورٌ تَستضيءُ به ... ومن حديثك في أعقابها حَادِي
إذا شَكَتْ من كَلالِ السير أوعدَها ... روحَ القدومِ فتَحْيا عند ميعادِ
وكما قيل (?):
إذا نحن أدلجنا وأنت إمامُنا ... كفَى بالمطايا طِيبُ ذكراك حاديَا
وإن نحن أضللنا الطريقَ ولم نجدْ ... دليلًا كفانا نورُ وجهك هاديَا