صاحب الذوق المحمدي يحكم عليهما

كأنها لم تُشرَع قط، فتولدت المحنة بين قسوة هؤلاء وجمودهم، ومَيعانِ هؤلاء وانحلالهم، فإذا جمعهما مجلس كانا كما قيل:

سارتْ مشرِّقةً وسِرتُ مغرِّبًا ... شتَّانَ بين مُشرِّقٍ ومُغرِّبِ (?)

فكل من الطائفتين تنادي الأخرى من مكان بعيد، وصاحب الذوق المحمدي والوجد الإبراهيمي يحكم على الطائفتين، ويوالي من معه حق من الفريقين، وينكر ما يجب إنكاره من الطريقين، ويسير إلى الله سبحانه بين حقائق الإيمان وشرائع الإسلام، ويعلم أن الحقيقة بلا شريعة خيال باطل وسراب، والشريعة بلا حقيقة قِشْر قد تجرد من اللباب، وأن الأمر إنما قام بالحقيقة الباطنة وعليها الثواب والعقاب، وبالشريعة الظاهرة وهي مظهر الأمر والنهي والحكم والأسباب، وهي بمنزلة البدن، والحقيقة الإيمانية بمنزلة الروح، والروح لا قِوامَ لها بدون البدن، وبدنٌ لا روحَ فيه من جملة الأموات.

والدين ينتظم الأمرين انتظامًا واحدًا، وله جسد وروح وقلب، فجسده الإسلام، وروحه الإيمان، وقلبه الإحسان، فالإسلام: الشرائع الظاهرة العاصمة للدم والمال، والإيمان: الحقائق الباطنة المُنجِية من النار، والإحسان: المقامات العالية التي ينال بها الدرجاتِ العلى، والقربَ من الله سبحانه، والدخولَ في زمرة المقربين من عباده.

ولا ريب أن المحبين رُفِع لهم لواءٌ فشمَّروا إليه، وخفي ذلك اللواء عمن أعرض عن هذا الشأن واشتغل بغيره، ولكن سلك كثير منهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015