حتى إذا ذاق منها جاحِمًا بَردَا

والجَحْم والجَحْمَة: توقُّد النار، ومنه قوله (?):

نحن حَبسنا بني جَدِيلةَ في ... نارٍ من الحرب جَحْمةِ الضَّرَمِ" (?).

وفي قوله تعالى: {وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} [البقرة: 119]، قراءتان (?):

إحداهما: {وَلا تُسْأَلُ}، برفع التاء واللام على الخبر، على أن (لا) نافية، وهي قرأة الجمهور.

واختار أبو عبيد هذه القراءة، فقال: "لأنه لو أراد النهي لكانت الفاء أحسن من الواو (?).

وعلى هذه القراءة، ففي التفسير وجوه (?):

أحدها: أن مصيرهم إلى الجحيم فمعصيتهم لا تضرك ولست بمسؤول عن ذلك، أي: لا نسألك عن كفر من كفر بك، {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} [الرعد: 40] وكقوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ* لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمصَيْطِرٍ} الآية [الغاشية: 21، 22] وكقوله تعالى: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: 45] وقوله: {عليه ما حمل وعليكم ما حملتم} [النور: 54]، وأشباه ذلك من الآيات (?).

والثاني: أنك هاد وليس لك من الأمر شيء، فلا تأسف ولا تغتم لكفرهم ومصيرهم إلى العذاب ونظيره قوله: {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات} [فاطر: 8].

الثالث: لا تنظر إلى المطيع والعاصي في الوقت، فإن الحال قد يتغير فهو غيب فلا تسأل عنه، وفي الآية دلالة على أن أحدا لا يسأل عن ذنب غيره ولا يؤاخذ بما اجترمه سواه سواء كان قريبا أو كان بعيدا.

القراءة الثانية: {ولا تَسألْ}، بالجزم وفتح التاء على أن (لا) ناهية، وهي قراءة نافع.

وفي هذه القراءة وجهان (?):

أحدهما: أنه نهى عن السؤال عمن عصى وكفر من الأحياء، لأنه قد يتغير حاله فينتقل عن الكفر إلى الإيمان، وعن المعصية إلى الطاعة.

والثاني: وهو الأظهر، أنه نهى عن السؤال عمن مات على كفره ومعصيته، تعظيما لحاله وتغليظا لشأنه، وهذا كما يقال: لا تسأل عن فلان! أي قد بلغ فوق ما تحسب.

قال الزمخشري: " وتعضد القراءة الأولى، قراءة عبد اللَّه: {ولن تسئل}، وقراءة أبىّ: {وما تسئل} " (?)، ومعناهما موافق لقراءة الجمهور، نفى أن يكون مسؤولا عنهم (?).

والراجح: من قرأ بالرفع، على الخبر {وَلا تُسْأَلُ}، "لأن الله جل ثناؤه قص قصص أقوام من اليهود والنصارى، وذكر ضلالتهم، وكفرهم بالله، وجراءتهم على أنبيائه، ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {إنا أرسلناك} يا محمد {بالحق بشيرا}، من آمن بك واتبعك ممن قصصت عليك أنباءه ومن لم أقصص عليك أنباءه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015