مخلوق؛ وهذا مثل قوله تعالى: {ونفخت فيه من روحي} [الحجر: 29]؛ فإن الروح هنا مخلوقة؛ لأنها تتعلق بعين مخلوقة.

5 - ومن فوائد الآية: أن المصلَّيات التي تكون في البيوت، أو الدوائر الحكومية لا يثبت لها هذا الحكم؛ لأنها مصلَّيات خاصة؛ فلا يثبت لها شيء من أحكام المساجد.

6 - ومنها: أنه لا يجوز أن يوضع في المساجد ما يكون سبباً للشرك؛ لأن {مساجد الله} معناها موضع السجود له؛ فإذا وضع فيها ما يكون سبباً للشرك فقد خرجت عن موضوعها، مثل أن نقبر فيها الموتى؛ فهذا محرم؛ لأن هذا وسيلة إلى الشرك.

7 - ومنها: وجوب تطهير المساجد؛ وهذا مأخوذ من إضافتها إلى الله تلك الإضافة القاضية بتشريفها، وتعظيمها؛ ولهذا قال تعالى: {وطهر بيتي للطائفين والعاكفين والركَّع السجود}.

8 - ومنها: أن الناس فيها سواء؛ لأن الله تعالى أضافها إلى نفسه: {مساجد الله}؛ والناس عباد الله - بالنسبة إلى الله في المسجد سواء -؛ فكل من أتى إلى هذه المساجد لعبادة الله فإنه لا فرق بينه وبين الآخرين.

وهنا نقول: إن للعالِم الحق أن يتخذ مكاناً يجعله لإلقاء الدرس، وتعليم الناس؛ لكنه إذا أقيمت الصلاة لا يمنع الناس - هو، وغيره سواء -.

9 - ومنها: أن ذكر الله لا بد أن يكون باسمه، فتقول: لا إله إلا الله؛ سبحان الله؛ سبحان ربك رب العزة عما يصفون؛ سبحان ربي العظيم؛ فالذكر باللسان لا يكون إلا باسم الله؛ أما ذكر القلب فيكون ذكراً لله، وذكراً لأسمائه؛ فقد يتأمل الإنسان في قلبه أسماء الله، ويتدبر فيها، ويكون ذكراً للاسم؛ وقد يتأمل في أفعال الله عز وجل، ومخلوقاته، وأحكامه الشرعية.

10 - ومن فوائد الآية: تحريم تخريب المساجد؛ لقوله تعالى: {وسعى في خرابها}؛ ويشمل الخراب الحسي، والمعنوي؛ لأنه قد يتسلط بعض الناس - والعياذ بالله - على هدم المساجد حسًّا بالمعاول، والقنابل؛ وقد يخربها معنًى، بحيث ينشر فيها البدع والخرافات المنافية لوظيفة المساجد.

11 - ومنها: البشارة للمؤمنين بأن العاقبة لهم، وأن هؤلاء الذين منعوهم لن يدخلوها إلا وهم خائفون؛ وهذا على أحد الاحتمالات التي ذكرناها.

12 - ومنها: أن عقوبة من منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها، الخزي والعار في الدنيا، والعذاب العظيم في الآخرة.

13 - ومنها: أن الذنب إذا كان فيه تعدٍّ على العباد فإن الله قد يجمع لفاعله بين العقوبتين: عقوبة الدنيا، وعقوبة الآخرة؛ عقوبة الدنيا ليشفي قلب المظلوم المعتدى عليه؛ ولا شك أن الإنسان إذا اعتدى عليك، ثم رأيت عقوبة الله فيه أنك تفرح بأن الله سبحانه وتعالى اقتص لك منه؛ أما إذا كان في حق الله فإن الله تعالى لا يجمع عليه بين عقوبتين؛ لقوله تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} [الشورى: 30].

14 - ومن فوائد الآية: إثبات يوم القيامة؛ لقوله تعالى: {ولهم في الآخرة عذاب عظيم}.

15 - ومنها: أن عذاب الآخرة أعظم من عذاب الدنيا، كما أن نعيم الآخرة أكمل من نعيم الدنيا؛ ولكن الله سبحانه وتعالى يُري عباده نموذجاً من هذا، ومن هذا؛ لأنه لا يستقيم فهم الوعيد، ولا فهم الوعد، إلا بمشاهدة نموذج من ذلك؛ لو كان الله توعد بالنار، ونحن لا ندري ما هي النار، فلا نخاف إلا خوفاً إجمالياً عاماً؛ وكذلك لو وعد بالنعيم والجنة، ولا نعرف نموذجاً من هذا النعيم، لم يكن الوعد به حافزاً للعمل.

القرآن

{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)} [البقرة: 115]

التفسير:

ولله جهتا شروق الشمس وغروبها وما بينهما، فهو مالك الأرض كلها. فأي جهة توجهتم إليها في الصلاة بأمر الله لكم فإنكم مبتغون وجهه، لم تخرجوا عن ملكه وطاعته. إن الله واسع الرحمة بعباده، عليم بأفعالهم، لا يغيب عنه منها شيء.

اختلفوا في سبب نزول الآية على أقوال:

أحدها: أخرج الواحدي عن جابر بن عبد الله قال: "بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية كنت فيها فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة، فقالت طائفة منا: قد عرفنا القبلة هي هاهنا قبل الشمال، فصلوا وخطوا خطوطا وقال بعضنا: القبلة هاهنا قبل الجنوب فصلوا وخطوا خطوطا فلما أصبحوا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة فلما قفلنا من سفرنا سألنا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فسكت فأنزل الله تعالى: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} " (?).

والثاني: وأخرج الطبري عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه قال، " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة سوداء مظلمة، فنزلنا منزلا فجعل الرجل يأخذ الأحجار فيعمل مسجدا يصلي فيه، فلما أصبحنا، إذا نحن قد صلينا على غير القبلة، فقلنا: يا رسول الله لقد صلينا ليلتنا هذه لغير القبلة. فأنزل الله عز وجل: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم} " (?).

الثالث: وأخرج الطبري والواحدي عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه قال: " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة في سفر، فلم ندر أين القبلة فصلينا، فصلى كل واحد منا على حياله، ثم أصبحنا فذكرنا للنبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} " (?).

قال الواحدي: "ومذهب ابن عمر أن الآية نازلة في التطوع بالنافلة" (?).

أخرج الطبري عن ابن عمر أنه قال: " إنما نزلت هذه الآية: {أينما تولوا فثم وجه الله} أن تصلي حيثما توجهت بك راحلتك في السفر تطوعا، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجع من مكة يصلي على راحلته تطوعا يومئ برأسه نحو المدينة " (?).

الرابع: قال ابن عباس في رواية عطاء: "إن النجاشي لما توفي قال جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم - إن النجاشي توفي، فصل عليه، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحضروا وصفهم ثم تقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال لهم: "إن الله أمرني أن أصلي على النجاشي وقد توفي فصلوا عليه" فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم عليه، فقال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أنفسهم:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015