قال المراغي: " وقد تحقق ما أوعد به الله فحلّ بالرومانيين الخزي في الدنيا فتقسمت دولتهم، وتشتت ملكهم، ولحقهم الذلّ والهوان على يد غيرهم من الأمم القوية الفاتحة" (?).

وفي قوله تعالى: {لَهُمْ في الدُّنْيَا خِزْيٌ} [البقرة: 114]، ثلاثة أوجه (?):

أحدهما: أنه قتل الحربي وجزية الذمي. قاله قتادة (?).

والثاني: أنه فتح مدائنهم عمورية، وقسطنطينية، ورومية، وهذا قول ابن عباس (?)، وروي عن السدي (?) وعكرمة (?)، ووائل بن داود (?)، نحو ذلك.

والثالث: وقيل: ما يلحقهم من الذل بمنعهم من المساجد.

قلت: إن كل ذلك محتمل، لكون الخزي يجري مجرى القوبة والهوان والإذلال. والله أعلم.

قوله تعالى: {وَلَهُمْ في الأخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 114]، أي: ولهم في الآخرة "عذاب النار" (?).

قال ابن عثيمين: "أي عقوبة عظيمة" (?).

قال البغوي: أي: "النار" (?).

قال الماوردي: " هو أشد من كل عذاب، لأنهم أظلم من كل ظالم" (?)

قال الطبري: " وأما (العذاب العظيم)، فإنه عذاب جهنم الذي لا يخفف عن أهله، ولا يقضى عليهم فيها فيموتوا" (?).

قال القاسمي: وذلك" لما انتهكوا من حرمة البيت وامتهنوه، من نصب الأصنام حوله، ودعاء غير الله، والطواف به عريا، وغير ذلك من أفاعيلهم التي يكرهها الله ورسوله" (?).

قال السعدي: " وإذا كان لا أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، فلا أعظم إيمانا ممن سعى في عمارة المساجد بالعمارة الحسية والمعنوية، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: 18]، بل قد أمر الله تعالى برفع بيوته وتعظيمها وتكريمها، فقال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36]، وللمساجد أحكام كثيرة، يرجع حاصلها إلى مضمون هذه الآيات الكريمة" (?).

وفي كيفية اتصال هذه الآية بما قبلها وجوه: فأما من حملها على النصارى وخراب بيت المقدس قال: تتصل بما قبلها من حيث أن النصارى ادعوا أنهم من أهل الجنة فقط، فقيل لهم: كيف تكونون كذلك مع أن معاملتكم في تخريب المساجد والسعي في خرابها هكذا، وأما من حمله على المسجد الحرام وسائر المساجد قال: جرى ذكر مشركي العرب في قوله: {كذالك قال الذين * قبلهم مثل قولهم} [البقرة: 113]، وقيل: جرى ذكر جميع الكفار وذمهم، فمرة وجه الذم إلى اليهود والنصارى ومرة إلى المشركين (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015