وكلاهما تضمن صدق محمد صلى الله عليه وسلم، فعنفهم الله تعالى على كذبهم، وفي كتبهم خلاف ما قالوا" (?).

قوله تعالى: {وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ} [البقرة: 113]، " أي والحال أن اليهود يقرءون التوراة والنصارى يقرءون الإِنجيل فقد كفروا عن علمٍ" (?).

قال ابن عباس: " أي كل يتلو في كتابه تصديق ما كفر به أن تكفر اليهود بعيسى، وعندهم التوراة فيها ما أخذ الله عليهم على لسان موسى بالتصديق بعيسى، وفي الإنجيل ما جاء به من التوراة من عند الله وكل يكفر بما في يدي صاحبه" (?).

قال الزمخشري: " أى قالوا ذلك، وحالهم أنهم من أهل العلم والتلاوة للكتب، وحق من حمل التوراة أو الإنجيل أو غيرهما من كتب اللَّه وآمن به أن لا يكفر بالباقي لأن كل واحد من الكتابين مصدّق للثاني شاهد بصحته، وكذلك كتب اللَّه جميعا متواردة على تصديق بعضها بعضا" (?).

قال المراغي: " أي قالوا ذلك وكتاب كل من الفريقين ينطق بغير ما يعتقدون، فالتوراة تبشر برسول منهم يأتى بعد موسى، لكنهم خالفوها ولم يؤمنوا به، والإنجيل يقول: إنه (المسيح) جاء متمما لناموس موسى لا ناقضا له، وهم قد نقضوه" (?).

قال أبو السعود: " أي قالوا ما قالوا والحال أن كل فريق منهم من أهل العلم والكتاب أي كان حق كل منهم أن يعترف بحقية دين صاحبه حسبما ينطق به كتابه فإن كتب الله تعالى متصادقة" (?).

قال الزجاج: " يعني به أن الفريقين يَتْلُوَان التوراة، وقد وقع يينهم هذا الاختلاف وكتابهم واحد، فدل بهذا على ضلالتهم، وحذر بهذا وقوع الاختلاف في القرآن، لأن اختلاف الفريقين أخرجهما إلى الكفر، فتفهموا هذا المكان فإن فيه حجةً عظيمة وعِظَةً في القرآن" (?).

قال ابن عطية: " وفي قوله تعالى: {وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ}، تنبيه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم على ملازمة القرآن والوقوف عند حدوده، كما قال الحر بن قيس في عمر بن الخطاب، وكان وقافا عند كتاب الله" (?).

قال أبو حيان: " أي وهم عالمون بما في كتبهم، تالون له. وهذا نعي عليهم في مقالتهم تلك، إذ الكتاب ناطق بخلاف ما يقولونه، شاهدة توراتهم ببشارة عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وصحة نبوّتهما. وإنجيلهم شاهد بصحة نبوة موسى ومحمد صلى الله عليه وسلّم، إذ كتب الله يصدق بعضها بعضاً. وفي هذا تنبيه لأمّة محمد صلى الله عليه وسلّم في أن من كان عالماً بالقرآن، يكون واقفاً عنده، عاملاً بما فيه، قائلاً بما تضمنه، لا أن يخالف قوله ما هو شاهد على مخالفته منه، فيكون في ذلك كاليهود والنصارى" (?).

وقال الثعلبي: " وكلا الفريقين يقرءون الكتاب أي لتبين في كتابكم سر الاختلاف فدل تلاوتهم الكتاب ومخالفتهم ما فيه على أنهم على الباطل" (?).

قال الإمام الطبري: "إن إنكار كل فريق منهم، إنما كان إنكارا لنبوة النبي صلى الله عليه وسلم، الذي ينتحل التصديق به، وبما جاء به الفريق الآخر، لا دفعا منهم أن يكون الفريق الآخر في الحال التي بعث الله فيها نبينا صلى الله عليه وسلم على شيء من دينه، بسبب جحوده نبوة نبينا محمد صلى الله عليه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015