قال الإمام الطبري: "وهذا خبر من الله جل ثناؤه للذين خاطبهم بهذه الآيات من المؤمنين، أنهم مهما فعلوا من خير وشر سرا وعلانية، فهو به بصير لا يخفى عليه منه شيء، فيجزيهم بالإحسان خيرا، وبالإساءة مثلها، وهذا الكلام وإن كان خرج مخرج الخبر، فإن فيه وعدا ووعيدا، وأمرا وزجرا، وذلك أنه أعلم القوم أنه بصير بجميع أعمالهم، ليجدوا في طاعته، إذْ كان ذلك مذخورا لهم عنده حتى يثيبهم عليه، كما قال: {وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله}، وليحذروا معصيته، إذْ كان مطلعا على راكبها، بعد تقدمه إليه فيها بالوعيد عليها، وما أوعد عليه ربنا جل ثناؤه فمنهي عنه، وما وعد عليه فمأمور به" (?).

وقال الرازي: " فالله تعالى لا يخفى عليه القليل ولا الكثير من الأعمال وهو ترغيب من حيث يدل على أنه تعالى يجازي على القليل كما يجازي على الكثير، وتحذير من خلافه الذي هو الشر، وأما الخير فهو النفع الحسن وما يؤدي إليه، فلما كان ما يأتيه المرء من الطاعة يؤدي به إلى المنافع العظيمة، وجب أن يوصف بذلك، وعلى هذا الوجه قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77] (?).

وقال أبو حيان: " وكنى بقوله: {بصير} عن علم المشاهد، أي لا يخفى عليه عمل عامل ولا يضيعه، ومن كان مبصراً لفعلك، لم يخف عليه، هل هو خير أو شر، وأتى بلفظ {بصير} دون (مبصر)، إما لأنه من بصر، فهو يدل على التمكن والسجية في حق الإنسان، أو لأنه فعل للمبالغة بمعنى مفعل، الذي هو للتكثير" (?).

وأخرج ابن أبي حاتم عن عقبة بن عامر قال: "رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يقترى هذه الآية: {سميع بصير} يقول: بكل شيء بصير" (?).

الفوائد:

1 - من فوائد الآية: جوب إقامة الصلاة؛ والصلاة تشمل الفريضة والنافلة؛ ومن إقامة الفرائض كثرة النوافل؛ لأنه جاء في الحديث (?) أن النوافل تكمل بها الفرائض يوم القيامة؛ ما من إنسان إلا وفي فريضته نقص؛ لكن هذه النوافل تكملها، وترقعها.

2 - ومنها: وجوب إيتاء الزكاة. يعني لمستحقيها.

3 - ومنها: أن الصلاة أوكد من الزكاة؛ ولهذا يقدمها الله عليها في الذكر.

4 - ومنها: أن إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة من أسباب النصر؛ لأن الله ذكرها بعد قوله: {فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره} [البقرة: 109]؛ وقد جاء ذلك صريحاً في قوله تعالى: {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز * الذين إن مكنَّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} [الحج: 40، 41].

5 - ومنها: أنه ينبغي للإنسان أن يتشاغل بالأهم فالأهم مع الدعوة إلى الله عز وجل.

6 - ومنها: أن كل خير يقدمه العبد لربه عز وجل فإنه سيجد ثوابه عنده.

7 - ومنها: أن الثواب عام لجميع الأعمال صغيرها، وكبيرها؛ لقوله تعالى: {من خير}؛ فإنها نكرة في سياق الشرط؛ فتفيد العموم؛ فأيّ خير قدمته قليلاً كان، أو كثيراً ستجد ثوابه؛ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "اتقوا النار ولو بشق تمرة" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015