واستبعد الطبري هذا الرأي، لأن صيغة خطاب الآية للجمع، والواحد لا يقال له "كثير"، بمعنى الكثرة في العدد (?).

وعلى رواية عبدالله بن كعب، فالجمع في قوله: {يَرُدُّونَكُم} لكعب ومن تابعه ويستقيم الكلام (?). والله أعلم.

الثالث: وأخرج الطبري وابن أبي حاتم عن ابن عباس: " كان حُيَيّ بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب من أشد يهود للعرب حسدا، إذ خصهم الله برسوله صلى الله عليه وسلم، وكانا جاهِدَين في رد الناس عن الإسلام بما استطاعا، فأنزل الله فيهما: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم} الآية" (?).

الرابع: وقال الواحدي "قال ابن عباس: نزلت في نفر من اليهود قالوا للمسلمين بعد وقعة بدر ألم تروا إلى ما أصابكم ولو كنتم على الحق ما هزمتم، فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم" (?).

قوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [البقرة: 109]، " أي تمنى كثير من اليهود والنصارى" (?).

قال الطبري: أي: "أن كثيراً من أهل الكتاب يودون بكل قلوبهم" (?).

قوله تعالى: {لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا} [البقرة: 109]، " أي لو يصيّرونكم كفاراً بعد أن آمنتم" (?).

قال الطبري: أي: "أن يردوكم كفاراً؛ أي يرجعوكم كفاراً" (?).

قال المراغي: أي: " أن يصرفوكم عن توحيد الله والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ويرجعوكم كفارا كما كنتم" (?).

قوله تعالى: {حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة: 109]، " أي حسداً منهم لكم حملتهم عليه أنفسهم الخبيثة" (?).

قال الثعلبي: " أي من تلقاء أنفسهم لم يأمر الله عز وجل بذلك" (?).

قال الطبري: "وإنما أخبر الله جل ثناؤه عنهم المؤمنين أنهم ودوا ذلك للمؤمنين، من عند أنفسهم، إعلاما منه لهم بأنهم لم يؤمروا بذلك في كتابهم، وأنهم يأتون ما يأتون من ذلك على علم منهم بنهي الله إياهم عنه (?).

قال ابن الأنباري: "ويكون تأويل {مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} في حكمهم وتدينهم ومذهبهم، أي: هذا الحسد مذهب لهم، لم يؤمروا به كما تقول: هذا عند الشافعي حلال، أي: في حكمه ومذهبه" (?).

وذكر الرازي في قوله تعالى: {حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة: 109]، وجهين (?):

أحدهما: أنه متعلق بـ (ود)، على معنى أنهم أحبوا ذلك من بعد ما تبين لهم أنكم على الحق، فكيف يكون تمنيهم من قبل طلب الحق؟

الثاني: أنه متعلق بـ (حسد)، أي حسد عظيم منبعث من عند أنفسهم.

و"في الآية تنبيه أن كثيراً من أهل الكتاب، يتمنون ارتدادكم بعد إيمانكم حسداً، وقوله: {من عند أنفسهم} أي من عند هواهم كقوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ}، وعبر عن الهوى بالنفس وهي الأمارة بالسوء، وبين أنهم فعلوا ذلك بعد وضوح الحق لهم، ولكنهم بحسدهم وهوائهم لا يتحرونه، ولا يحبون أن يتحراه غيرهم" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015