والصواب: أن الرحمة هنا عامة بجميع أنواعها، والأقوال الأخرى هي ضمن الرحمة العامة التي في لفظ الآية، "فرحمته تعالى يشمل رحمة الدين، والدنيا؛ ومن ذلك رحمة الله بإنزال هذا الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا الوحي الذي نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم هو من رحمة الله عليه، وعلينا، كما قال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} [الأنبياء: 107] " (?).
قال ابن عثيمين: "وقوله تعالى: {مَنْ يَشَاءُ} هذا مقرون بالحكمة؛ يعني اختصاصه بالرحمة لمن يشاء مبني على حكمته سبحانه وتعالى؛ فمن اقتضت حكمته ألا يختصه بالرحمة لم يرحمه" (?).
قوله تعالى: {وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [البقرة: 105]، أي "والله واسع الفضل والإِحسان" (?).
قال ابن عثيمين: " أي ذو العطاء الزائد عما تتعلق به الضرورة؛ و {الْعَظِيمِ} أي الواسع الكثير الكبير؛ فالعِظم هنا يعود إلى الكمية، وإلى الكيفية" (?).
قال الطبري: " خبر من الله جل ثناؤه عن أن كل خير ناله عباده في دينهم ودنياهم، فإنه من عنده ابتداء وتفضلا منه عليهم، من غير استحقاق منهم ذلك عليه" (?).
قال الراغب: " بيّن أنه وإن اختص برحمته بعض الناس، فليس ذلك لضيق فضله، بل فضله عظيم، ورحمته [تسع كل شيء وإنما يسع رحمته] ضربان، أحدهما يصل إليه كل من شاء الوصول إليه من العباد
بتمكين الله إياه وضرب يخص تعالى به بعض عباده لا يعرفه في ذلك" (?).
قال الآلوسي: " تذييل لما سبق وفيه تذكير للكارهين الحاسدين بما ينبغي أن يكون مانعا لهم لأن المعنى على أنه سبحانه المتفضل بأنواع التفضلات على سائر عباده فلا ينبغي لأحد أن يحسد أحدا، ويود عدم إصابة خير له، والكل غريق في بحار فضله الواسع الغزير كذا قيل: وإذا جعل الفضل عاما وقيل: بإدخال النبوة فيه دخولا أوليا لأن الكلام فيها على أحد الأقوال. كان هناك إشعار بأن النبوة من الفضل لا كما يقوله الحكماء من أنها بتصفية الباطن، وأن حرمان بعض عباده ليس لضيق فضله بل لمشيئته وما عرف فيه من حكمته، وتصدير هذه الجملة بالاسم الكريم لمناسبة العظيم" (?).
الفوائد
1 من فوائد الآية: بيان عداوة غير المسلمين للمسلمين؛ لأنه تعالى ذكر صنفين ينتظمان جميع الأصناف: أهل الكتاب. وهم اليهود، والنصارى.؛ والمشركين. وهم كل أصحاب الأوثان.؛ فكل هؤلاء أعداء للمسلمين؛ لأنهم لا يودون الخير للمسلمين.
2 ومنها: أنه يجب علينا أن نحذر من كل تصرف يصدر عن اليهود، والنصارى، والمشركين، ونتخذهم أعداءً، وأن نعلم أنهم بجميع تصرفاتهم يحاولون أن يمنعوا الخير عن المسلمين.
3 ومنها: أن هؤلاء الكفار يودون أن يمنعوا عن المسلمين التقدم.
4 ومنها: أنه يحرم على المسلمين أن يُوَلُّوا هؤلاء الكفار أيّ قيادة؛ لأنهم ما داموا لا يودون لنا الخير فلن يقودونا لأيّ خير مهما كان الأمر؛ ولهذا يحرم أن يجعل لهم سلطة على المسلمين لا في تخطيط، ولا في نظام، ولا في أي شيء؛ بل يجب أن يكونوا تحت إمرة المسلمين، وتحت تدبيرهم ما أمكن؛ وإذا استعنا بهم فإنما نستعين بهم لإدراك مصالحنا وهم تحت سلطتنا؛ لأنهم لو استطاعوا أن يمنعوا القطر وينبوع الأرض عن المسلمين لفعلوا؛ إذاً فيجب علينا الحذر من مخططاتهم، وأن نكون دائماً على سوء ظن بهم؛ لأن إحسان