وقد استدل بهذه الآية على أن السحر كفر ومتعلمه كافر (?)، وهو واضح في بعض أنواعه التي قدمتها (?)، وهو التعبد للشياطين أو للكواكب، وأما النوع الآخر الذي هو من باب الشعوذة فلا يكفر به من تعلمه أصلاً (?)، قال النووي (?): "عمل السحر حرام، وهو من الكبائر بالإِجماع" (?).

واختلفت القراءة في قوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِن أَحَدٍ} [البقرة: 102]، على وجهين:

أحدهما: {يُعَلِّمَانِ} بالتشديد من التعليم.

والثاني: {يعْلمان}، وفي الشاذ بسكون العين من الإِعلام (?)، وهي قراءة طلحة بن مصرف، بناء على أن التضعيف يتعاقب مع الهمزة، وذلك أن الملكين لا يعلمان الناس السحر بل يُعْلِمَانِهم به وينهيانهم عنه.

والوجه الأول أشهر (?).

واختلفوا في تعليم الملكين السحر، فذكر أهل التفسير فيه وجهين (?):

أحدهما: أنهما كانا لا يتعمدان تعليم السحر، ولكنهما يصفانه، ويذكران بطلانه، ويأمران الناس باجتنابه، وكانا يعلمان الناس وغيرهم ما يُسألان عنه، ويأمران باجتناب ما حُرِّم عليهم، وطاعة الله فيما أُمروا به، ونهوا عَنْهُ. وفي ذلك حكمة، لأن سائلًا لو سأل: ما الزنا؟ وما اللواط؟ لوجب أن يوقف عليه، ويعلم أنه حرام، فكذلك مجاز إعلام الملكين الناس السحر، وأمرهما السائل باجتنابه بعد الإعلام والإخبار أنه كفر حرام (?).

ويؤكد هذا الوجه: ما روى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال: عَلَّم بمعنى أعلم، وذلك أن التعليم لا ينفك عن الإعلام، كما يقال: تعلّمْ بمعنى أعلَمْ؛ لأن من تعلم شيئا فقد عَلِمَه، فيوضع التَّعَلُّم موضع العلم (?).

قال قيس بن زهَير (?):

تَعَلَّمْ أنّ خيرَ الناس حيًّا ... على جَفْر الهَباءةِ لا يَريم

أي: اعلم (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015