تنقسم آيات الله تعالى إلى قسمين: كونية، وشرعية؛ فالكونية مخلوقاته، كالشمس، والقمر، والنجوم، والإنسان، وغير ذلك؛ قال الله تعالى: {ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر} [فصلت: 37]، وقال تعالى: {ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين} [الروم: 22]؛ وأما الشرعية فهي ما أنزله الله تعالى على رسله من الشرائع، كقوله تعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته} [الجمعة: 2]، وقوله تعالى: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم .. } [سبأ: 43] الآية، وكذلك الآية التي نحن بصدد تفسيرها.

القرآن

{أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100)} [البقرة: 100]

التفسير:

ما أقبح حال بني إسرائيل في نقضهم للعهود! ! فكلما عاهدوا عهدًا طرح ذلك العهد فريق منهم، ونقضوه، فتراهم يُبْرِمون العهد اليوم وينقضونه غدًا، بل أكثرهم لا يصدِّقون بما جاء به نبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

اختلف في سبب نزول الآية على أقوال:

أحدها: قال المفسرون: "إن اليهود عاهدوا فيما بينهم، لئن خرج محمد - صلى الله عليه وسلم - ليؤمنُنّ به، وليكونُنّ معه على مشركي العرب، فلما بُعِثَ نقضوا العهد وكفروا به " (?).

والثاني: وقال عطاء: "هي العهود التي كانت بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين اليهود، فنقضوها كفعل قريظة والنضير، عاهدوا ألا يعينوا عليه أحدًا، فنقضوا ذلك، وأعانوا عليه قريشًا يوم الخندق" (?).

والثالث: أنها: "نزلت في مالك بن الصيف، قال: والله ما أخذ علينا عهد في كتابنا أن نؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلّم، ولا ميثاق" (?).

قال الواحدي: "واتصال هذه الآية بما قبلها: من حيث إنهم كفروا بنقض العهد كما كفروا بالآيات" (?).

قوله تعالى: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا} [البقرة: 100]، أي "وكلّما أعطوا عهداً" (?).

قال أبو حيان: " والمراد بهذا الاستفهام: الإنكار، وإعظام ما يقدمون عليه من تكرر عهودهم ونقضها، فصار ذلك عادة لهم وسجية. فينبغي أن لا يكترث بأمرهم، وأن لا يصعب ذلك، فهي تسلية للرسول صلى الله عليه وسلّم، إذ كفروا بما أنزل عليه، لأن ما كان ديدناً للشخص وخلقاً، لا ينبغي أن يحتفل بأمره" (?).

قال العلّامة ابن عثيمين: "قوله تعالى: {أوَ كلما}: الهمزة هنا للاستفهام؛ والواو للعطف؛ ومثل هذه الصيغة متكررة في القرآن كثيراً؛ وقد سبق الكلام عليها؛ أما {كلما} فإنها أداة شرط تفيد التكرار، أي كثرة وقوع شرطها، وجوابها؛ وكلما حصل الشرط حصل الجواب؛ فإذا قلت: "كلما جاء زيد فأكرمه" اقتضى تكرار إكرامه بتكرر مجيئه قلّ، أو كثر" (?).

وقرأ أبو السمال العدوي وغيره: {أوْ كلما} بسكون الواو، وقرأ الحسن وأبو رجاء: {أو كلما عوهدوا}، على البناء للمفعول، وهي قراءة تخالف رسم المصحف، وقرئ: {عهدوا}، فيكون (عهدا) مصدرا (?).

واختلف أهل العربية في حكم (الواو) التي في {أَوَكُلَّمَا} [البقرة: 100]، على ثلاثة أوجه (?):

طور بواسطة نورين ميديا © 2015