أحدها: أخرج الطبري "عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: إن يهوديا لقي عمر فقال له: إن جبريل الذي يذكره صاحبك، هو عدو لنا، فقال له عمر: {كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين}، قال: فنزلت على لسان عمر" (?).

والثاني: وأخرج الطبري أيضا عن عبيد الله، عن رجل من قريش قال: "سأل النبي صلى الله عليه وسلم اليهود فقال: أسالكم بكتابكم الذي تقرءون، هل تجدون به قد بشر بي عيسى ابن مريم أن يأتيكم رسول اسمه أحمد؟ فقالوا: اللهم وجدناك في كتابنا، ولكنا كرهناك لأنك تستحل الأموال وتهَرِيق الدماء. فأنزل الله: {من كان عدوا لله وملائكته} الآية" (?).

والثالث: وقال مقاتل: "قالت اليهود: إن جبريل عدونا أمر أن يجعل النبوة فينا فجعلها في غيرنا، فأنزل الله هذه الآية" (?).

والرابع: ال ابن عباس: إن حبرا من أحبار اليهود من فدك يقال له: عبد الله بن صوريا حاج النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن أشياء فلما اتجهت الحجة عليه قال: أي ملك يأتي من السماء؟ قال: جبريل: ولم يبعث الله نبيا إلا وهو وليه قال: ذاك عدونا من الملائكة، ولو كان ميكائيل مكانه لآمنا بك، إن جبريل نزل بالعذاب والقتال والشدة، فإنه عادانا مرارا كثيرة، وكان أشد ذلك علينا أن الله أنزل على نبينا أن بيت المقدس سيخرب على يدي رجل يقال له بختنصر، وأخبرنا بالحين الذي يخرب فيه، فلما كان وقته بعثنا رجلا من أقوياء بني إسرائيل في طلب بختنصر ليقتله، فانطلق يطلبه حتى لقيه ببابل غلاما مسكينا ليست له قوة، فأخذه صاحبنا ليقتله فدفع عنه جبريل، وقال لصاحبنا: إن كان ربكم الذي أذن في هلاككم فلا تسلط عليه، وإن لم يكن هذا فعلى أي شيء تقتله؟ فصدقه صاحبنا ورجع إلينا، وكبر بختنصر وقوي وغزانا وخرب بيت المقدس، فلهذا نتخذه عدوا فأنزل الله هذه الآية" (?).

قوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ} [البقرة: 98]، " أي معادياً له مستكبراً عن عبادته" (?).

قال البيضاوي: " أراد بعداوة الله مخالفته عناداً، أو معاداة المقربين من عباده، وصدر الكلام بذكره تفخيماً لشأنهم كقوله تعالى: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التوبة: 62] " (?).

قال أبو السعود: " أريد بعداوته تعالى، مخالفةُ أمرِه عِناداً، والخروجُ عن طاعته مكابرة، أوعداوة خواصِّه ومقرَّبيه" (?).

قال المراغي: " عداوة لله مخالفة أوامره وعدم القيام بطاعته، والكفر بما ينزله لهداية الناس على لسان رسله" (?).

قوله تعالى: {وَمَلَائِكَتِهِ} [البقرة: 98]، أي ومن كان" عدواً لملائكته" (?).

قال المراغي: " بكراهة العمل بما يعهد به إليهم ربهم من رسالات يبلغونها للناس" (?).

قال ابن عثيمين: " و (الملائكة) جمع (ملَك)؛ وهم عالم غيبي خلقهم الله عزّ وجلّ من نور، وسخرهم لعبادته يسبحون الليل، والنهار لا يفترون؛ ومنهم جبريل، وميكائيل، وإسرافيل الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر أسماءهم في افتتاح صلاة الليل (?) " (?).

قوله تعالى: {وَرُسُلِهِ} [البقرة: 98]، أي ومن كان عدوا لرسل الله تعالى.

قال الواحدي: " يعني: محمدًا وعيسى، كفرت بهما اليهود" (?).

قال المراغي: " بتكذيبهم في دعوى الرسالة مع قيام الأدلة على صدقها، أو بقتل بعضهم كما فعلوا مع زكريا ويحيى" (?).

قال ابن كثير: " - ورسله تشمل رسله من الملائكة والبشر، كما قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلا وَمِنَ النَّاسِ} [الحج: 75] " (?).

و(رسل): "جمع رسول؛ وهم الذين أوحى الله تعالى إليهم بشرع، وأمرهم بتبليغه؛ أولهم نوح، وآخرهم محمد. صلى الله عليهم وسلم أجمعين" (?).

قوله تعالى: {وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98]، أي و" عادى على الوجه الأخص «جبريل وميكائيل» " (?).

قال المراغي: " بادّعاء أن الأول يأتي بالآيات والنذر، ومن عاداه فقد عادى ميكائيل، لأن الداعي إلى محبتهم وعداوتهم واحد" (?).

قوله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 98]، "أي من عادى الله وعادى هؤلاء المقربين عند الله، فالله عدوّ له" (?).

قال الزمخشري: " والمعنى من عاداهم، عاداه اللَّه وعاقبه أشدّ العقاب" (?).

قال ابن عثيمين: " هذا جواب الشرط: من كان عدواً لله فالله عدو له؛ ومن كان عدواً للملائكة فإن الله عدو له؛ ومن كان عدواً لرسله فإن الله عدو له؛ ومن كان عدواً لجبريل فإن الله عدو له؛ ومن كان عدواً لميكائيل فإن الله عدو له" (?).

قال الواحدي: ومعنى الآية: من كان عدوًا لأحد هؤلاء فإن الله عدو له، لأن عدوّ الواحد عدو الجميع، وعدو محمدٍ عدوُّ الله. ومثله قوله: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [النساء: 136]؛ لأن الكافر بالواحد كافر بالكل .. ولم يقل: فهم أعداء له؛ لأنه تولى تلك العداوة بنفسه، وكفى رسله وملائكته أمر من عاداهم. وإنما لم يقل: فإن الله عدو لهم أوله بالكناية؛ ليدل مع أنه عدو لهم على أنهم كافرون بهذه العداوة" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015