قل -أيها الرسول- لليهود الذين يدَّعون أن الجنة خاصة بهم؛ لزعمهم أنهم أولياء الله من دون الناس، وأنهم أبناؤه وأحباؤه: إن كان الأمر كذلك فادْعُوا على الكاذبين منكم أو من غيركم بالموت، إن كنتم صادقين في دعواكم هذه.
في سبب نزول الآية: قال الله تعالى لليهود: {إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت}، فلم يفعلوا حيث قالوا: {لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى}، وقالوا: {نحن أبناء الله وأحباؤه}، فقال الله لهم ذلك" (?). وروي عن قتادة والربيع بن أنس نحو ذلك (?).
قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً} [البقرة: 94]، أي" قل يا محمد: إن كان نعيم الدار الآخرة ولذاتها لكم يا معشر اليهود عند الله" (?) خاصة.
قال الصابوني: " أي قل لهم يا محمد إِن كانت الجنة لكم خاصة كما زعمتم" (?).
قال السعدي: " يعني الجنة، كما زعمتم، أنه لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى، وأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة" (?).
قال ابن عطية: " أمر لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يوبخهم، والمعنى: إن كان لكم نعيمها وحظوتها وخيرها فذلك يقتضي حرصكم على الوصول إليها" (?).
واختلف في قوله تعالى: {خَالِصَةً} [البقرة: 94]، على قولين (?):
الأول: معناه: صافية. كما يقال: خلص لي فلان، بمعنى صار لي وحدي وصفا لي. قاله الطبري (?).
والثاني: معناه: خاصة، قاله ابن عباس (?)، واختاره الثعلبي (?)، ومنه قوله تعالى: {خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا} [الأنعام: 139]، وقوله: {خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الأعراف: 32]، وقوله: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50]، " أي خاصة من دون الناس" (?).
قال الطبري: "وذلك تأويل قريب من المعنى الأول" (?).
قوله تعالى: {مِنْ دُونِ النَّاسِ} [البقرة: 94]، أي: " من دون جميع الناس" (?).
قال الصابوني: أي: "لا يشارككم في نعيمها أحد" (?).
واختلف في قوله تعالى: {مِنْ دُونِ النَّاسِ} [البقرة: 94]، على قولين (?):
أحدهما: من دون الناس جميعهم، ويبين أن ذلك كان قولهم - من غير استثناء منهم من ذلك أحدا من بني آدم - إخبار الله عنهم أنهم قالوا: {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} [البقرة: 111]. وهذا قول الجمهور.
والثاني: من دون محمد وأصحابه الذين آمنوا به، وهذا قول ابن عباس (?).