والراجح-والله أعلم- هو القول الأول، وهو قول الجمهور، وأن قوله تعالى {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ}، من مجاز الحذف (?)، أي: أشربوا في قلوبهم حب العجل.
فيقال منه: أشرب قلب فلان حب كذا، بمعنى سقي ذلك حتى غلب عليه وخالط قلبه، كما قال زهير (?):
فصحوت عنها بعد حب داخل ... والحب يُشْرَبُه فؤادُك داء
فالشاعر ترك ذكر (الحب) اكتفاء بفهم السامع لمعنى الكلام، إذ كان معلوما أن العجل لا يُشرِب القلب، وأن الذي يشرب القلب منه حبه، كما قال جل ثناؤه: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 163]، {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [يوسف: 82]، وكما قال طرفة بن العبد (?):
ألا إنني سُقِّيت أسود حالكا ... ألا بَجَلِي من الشراب ألا بَجَل
يعني بذلك سُمّا أسود، فاكتفى بذكر (أسود)، عن ذكر (السم)، لمعرفة السامع معنى ما أراد بقوله: سقيت أسود. ويروى:
ألا إنني سقيت أسود سالخا (?)
وقد تقول العرب: " إذا سرك أن تنظر إلى السخاء فانظر إلى هرم، أو إلى حاتم "، فتجتزئ بذكر الاسم من ذكر فعله، إذا كان معروفا بشجاعة أو سخاء أو ما أشبه ذلك من الصفات، ومنه قول الشاعر (?):