به أنها تخلصهم من العقاب، وتوصلهم إلى الثواب فقد ظنوا أنهم اشتروا أنفسهم بها، فذمهم الله تعالى، وقال: بئسما اشتروا به أنفسهم" (?)، ذكره أبو حيان عن صاحب المنتخب (?).

واختاره الفخر الرازي قائلا: وهذا الوجه أقرب إلى المعنى واللفظ من الأول (?).

قال أبو حيان: و"يرد عليه، {بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}، حيث فعلوا ذلك على سبيل البغي والحسد" (?).

والراجح -والله أعلم- هو القول الأول، بأن (اشتروا) هنا، بمعنى (باعوا)، وذلك قول الأكثرين (?).

قال الإمام الطبري: " فإن قال قائل: وكيف باعت اليهود أنفسها بالكفر، فقيل: {بئس ما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله}؟ وهل يشتري بالكفر شيء؟ قيل: إن معنى: الشراء والبيع عند العرب، هو إزالة مالك ملكه إلى غيره، بعوض يعتاضه منه. ثم تستعمل العرب ذلك في كل معتاض من عمله عوضا، شرا أو خيرا، فتقول: نعم ما باع به فلان نفسه وبئس ما باع به فلان نفسه، بمعنى: نعم الكسب أكسبها، وبئس الكسب أكسبها - إذا أورثها بسعيه عليها خيرا أو شرا. فكذلك معنى قوله جل ثناؤه: {بئس ما اشتروا به أنفسهم} - لما أوبقوا أنفسهم بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم فأهلكوها، خاطبهم الله والعرب بالذي يعرفونه في كلامهم، فقال: {بئس ما اشتروا به أنفسهم}، يعني بذلك: بئس ما أكسبوا أنفسهم بسعيهم، وبئس العوض اعتاضوا، من كفرهم بالله في تكذيبهم محمدا، إذْ كانوا قد رضوا عوضا من ثواب الله وما أعد لهم - لو كانوا آمنوا بالله وما أنزل على أنبيائه - بالنار وما أعد لهم بكفرهم بذلك" (?).

قوله تعالى: {أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [البقرة: 90]، " أي كفرهم بالقرآن الذي أنزله الله" (?).

قال الثعلبي: أي" حين استبدلوا الباطل بالحق، والكفر بالأيمان" (?).

قال أبو العالية: " اليهود، كفروا بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم" (?).

وقوله تعالى: {وبِما أَنْزَلَ اللَّهُ} [البقرة: 90]، يحتمل ثلاثة أوجه (?):

الأول: القرآن. قاله أبو العالية (?)، واختاره الثعلبي (?)، والواحدي (?)، والقرطبي (?)، وغيره.

والثاني: التوراة، "لأنهم إذ كفروا بعيسى ومحمد عليهما السلام فقد كفروا بالتوراة" (?).

الثالث: ويحتمل أن يراد به: الجميع من توراة وإنجيل وقرآن، "لأن الكفر بالبعض يلزم الكفر بالكل" (?).

والوجه الأول أظهر مع سياق الآية. وبه قائل أكثر أهل التفسير، والله أعلم.

وأصل نعم وبئس: " نَعِمَ وبَئِسَ" (?)، يخبر بأحدهما عن الشيء المذموم، وبالثاني عن الممدوح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015