الأول: معناه: بئس الذي اختاروا لأنفسهم.

والثاني: وقيل: معناه بئس ما باعوا به حظ أنفسهم.

واختلف أهل العلم في معنى (الاشتراء) في قوله {اشْتَرَوْا} [البقرة: 90]، على قولين:

الأول: أن معنى الاشتراء هاهُنَا: (البيع). قاله الفراء (?) وأبو حيان (?)، والطبري (?)، وغيرهم.

قال الآلوسي: " فالأنفس بمنزلة المثمن، والكفر بمنزلة الثمن لأن أنفسهم الخبيثة لا تشترى بل تباع وهو على الاستعارة أي إنهم اختاروا الكفر على الإيمان وبذلوا أنفسهم فيه" (?).

يقال: اشتريته، أي: بعته، واشتريته، أي: ابتعته، وكذلك: شريته في المعنيين، وكذلك: بعته، قال الله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20]، أي: باعوه، ومنه قول يزيد بن المُفَرِّغ (?):

وشُرَيْتُ بُردًا لَيْتَنِي ... مِنْ بَعْدِ بردٍ صِرتُ هامة

يعني به: بعت بردا. وربما استعمل (اشتريت) بمعنى: بعت، و (شريت) في معنى: (ابتعت)، والكلام المستفيض فيهم هو ما وصفت (?).

ومنه قول المسيب بن علس (?):

يعطى بها ثمنا فيمنعها ... ويقول صاحبها ألا تشري

قال الفراء: وتقول" بع لي بدرهم تَمرًا، أي: اشتر لي" (?)، وأنشد قول طرفة بن العبد (?):

ويأتيك بالأخبار مَن لم تَبعْ له ... بَتَاتًا ولم تضربْ له وقتَ موعِدِ

المعنى: لم تشتر له بتاتا، قال الفراء: والبتات الزاد (?).

ومعنى الآية: "بئس الشيء بَاعوا به أنفسهم الكفر؛ يريد: أنهم اختاروا الكُفر وأخذوه، وبذلوا أنفسهم للنار؛ لأن اليهود خصوصًا علموا صدق محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأن من كذبه فالنار عاقبته، فاختاروا الكفر، وسلموا أنفسهم للنار، فكان ذلك كالبيع منهم" (?).

وقال المفسرون: في الآية إضمار، معناه: بئسما باعوا حظ أنفسهم بالكفر، وعلى هذا تكون الآية من باب حذف المضاف (?).

وعلى الوجه السابق، تصح الآية من غير إضمار.

والثاني: أن (الإشتراء) على بابه بمعناه المشهور (?)، والمعنى: "اشتروا بحسب ظنهم، فإنهم ظنوا أنهم خلصوا أنفسهم من العقاب بما فعلوا" (?)، فقالوا بأن "المكلف إذا كان يخاف على نفسه من عقاب الله يأتي بأعمال يظن أنها تخلصه من العقاب فكأنه قد اشترى نفسه بتلك الأعمال، فهؤلاء اليهود لما اعتقدوا فيما أتوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015