قاله قتادة (?)، ومجاهد (?)، وأبو العالي (?)، وابن زيد (?)، وابن عباس (?) في رواية علي بن أبي طلحة عنه.

والثالث: إِلاَّ أَمَانِيَّ، يعني: إلا تلاوة من غير فهم.

وهو اختيار البغوي (?) والراغب الأصفهاني (?) والواحدي (?)، والسعدي (?)، وأبو عبيدة (?)، وابن الأنباري (?)، وابن قتيبة (?)، والزجاج في أحد قوليه (?)، ونسبه الرازي إلى الأكثرين (?).

وأيدوا رأيهم بقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحج: 52]، أي إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته (?).

قال ابن القيم: "والسلف كلهم على أن المعنى: إذا تلى ألقى الشيطان في تلاوته" (?).

وقال ابن الأزهري: "والتلاوة سميت أمنية؛ لأن تالي القرآن إذا مر بآية رحمة تمنّاها، وإذا مرّ بآية عذاب تمنّى أن يُوَقّاه" (?).

لكن اعترض على هذا القول بأنه لا يتناسب مع قوله تعالى {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ}؛ لأن الأمي لا يقرأ.

وممن اعترض بهذا: البيضاوي (?) والشنقيطي (?).

إلا أن هذا الاعتراض مردود بأن المراد هو حصول التلاوة، وهي حاصلة من غير هؤلاء الأميين، بأن يسمعونه من غيرهم، كما فسره بهذا جمع من أهل العلم، بل، إن هذا الاعتراض أيضاً مردود، حتى على القول بأنهم هم الذين يقرأون؛ لأن معرفة القراءة لا ترفع وصف الأمي، فنحن نرى بعض كبار السن، وبعض الأعاجم لا يعرف من القراءة، إلا قراءة القرآن الكريم، وهذا لا يرفع وصف الأمية عنه. ولذا، يقول الراغب الأصفهاني: " وقال غيره-يعني غير مجاهد- إلا تلاوة مجردة عن المعرفة، من حيث إن التلاوة بلا معرفة المعنى تجري عند صاحبها مجرى أمنية تمنيتها على التخمين" (?).

ومن ذلك قال الشاعر (?):

ليس بيني وبين قيس عتاب ... غير طعن الكُلَى وضرب الرقاب

وقال كعب بن مالك (?):

تمنّى كتابَ الله أولَ ليلِهِ ... وآخرها لاقى حِمَام المقادر

أي: قرأ وتلا كتاب الله في أول الليل، وفى آخر الليل وافاه أجله.

قال الواحدي: "ويسمّى القراءة تمنِّيًا، لأنها تشبه التحدث، وما تمناه الإنسان فهو مما يحدث به نفسه؛ ولهذا فُسِّرت الأماني في هذه الآية بالأحاديث" (?).

وقال آخر (?):

تمنى كتاب الله آخر ليله ... تمني داود الزبور على رسل

أي تلا كتاب الله مترسلا فيه كما تلا داود الزبور مترسّلا فيه (?).

والرابع: أنَّ الأَمَانِيَّ: التقدير، قاله ابن سكيت (?)، والفراء (?)، وأنشد قول الشاعر (?):

ولا تقولَنْ لشيء سوف أفعله ... حتى تَبَيّنَ ما يَمْني لَكَ الماني

أي: ما يقدر لك القادر (?).

و(إلا): في هذا الموضع بمعنى (لكن) وهو عندهم من الاستثناء المنقطع، ومنه قوله تعالى: {مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنَّ} [النساء: 157] قال النابغة (?):

حلفت يميناً غير ذي مثنوية ... ولا علم إلا حسن ظن بصاحب

قوله تعالى: {وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [البقرة: 78]، أي: " إلا يشكون، ولا يعلمون حقيقته وصحته" (?).

قال الواحدي: "أي: لا يعلمون، أراد: ما هُمْ إلا ظانّينَ ظنًّا وتوهمًا لا حقِيقَةً ويقينًا" (?).

قال ابن عباس: " أي لا يعلمون ولا يدرون ما فيه، وهم يجحدون نبوتك بالظن" (?). وروي عن أبي العالية (?)، والربيع (?)، نحو ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015