والقول الأول أظهر مع تفسير الآية، والله تعالى أعلم. وقال به الماوردي (?) وابن عطية (?)، والقرطبي (?)، وغيرهم.
وفي الأصل اللغوي للأميّ، وتسميته به قولان (?):
أحدهما: أنه مأخوذ من الأمة، أي على أصل ما عليه الأمّة، لأنه باق على خلقته من أنه لا يكتب، قاله أبو إسحاق (?)، ومنه قول الأعشى (?):
وإنّ معاويةَ الأكرمين ... حسانُ الوجوه طوال الأمَمْ
والثاني: أنه مأخوذ من الأُم. قاله ابن الأنباري (?).
وذكروا في سبب أخذ (الأمي) من (الأُم) قولين (?):
أحدهما: أنه مأخوذ منها، لأنه على ما ولدته أُمُّهُ من أنه لا يكتب.
والثاني: أنه نُسِبَ إلى أُمّهِ، لأن الكتاب في الرجال دون النساء، فنسب من لا يكتب من الرجال إلى أمه، لجهلها بالكتاب دونه أبيه (?). واختاره الطبري (?).
قوله تعالى: {لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ} [البقرة: 78]، "أي: ليس لهم حظ من كتاب الله" (?).
قال إبراهيم النخعي: " ومنهم من لا يحسن أن يكتب" (?).
وقال ابن زيد: " أميون، لا يقرءون الكتاب من اليهود" (?).
وقال قتادة: " لا يعلمون الكتاب ولا يدرون ما فيه" (?). وعنه أيضا: " إنما هم أمثال البهائم، لا يعلمون شيئا" (?).
وقال أبو العالية: " لا يدرون ما فيه" (?). أي من الكتباب، وروي عن ابن عباس مثل ذلك (?).
وقال ابن عباس: " لا يعرفون الكتاب الذي أنزله الله" (?).
وعني بـ {الكتاب}: "التوراة، ولذلك أدخلت فيه (الألف واللام)، لأنه قصد به كتاب معروف بعينه" (?).
قال الطبري: " لا يعلمون ما في الكتاب الذي أنزله الله، ولا يدرون ما أودعه الله من حدوده وأحكامه وفرائضه" (?).
قوله تعالى: {إِلاَّ أَمَانِيَّ} [البقرة: 78]، " أي إلا قراءة بدون فهم للمعنى" (?).
قال الصابوني: أي" إلا التلاوة فقط" (?).
و(الأماني) جمع أمنية، أصلها: "أمنوية، أفعولة، من منى إذا قدر، وهي في الأصل: ما يقدره في نفسه" (?).
وقوله {إِلَّا أَمانِيَّ} [البقرة: 78]، فيه وجهان من القراءة (?):
أحدهما: {إِلَّا أَمانِيَّ}، بتشديد الياء. قرأ بها العامة.
والثاني: {أَمانِيَ}، بتخفيف الياء في كلّ القرآن. قرأ بها الحسن وأبو جعفر وشيبة والأعرج، إذ حذفوا إحدى الياءين استحفافا وهي ياء الجمع مثل مفاتح ومفاتيح.
وقال أبو حاتم: "كل جمع من هذا الجنس واحد مشدّد فلك فيه التّضعيف والتشديد مثل فخاتي وأماني وأغاني وغيرها" (?).
واختلف أهل التفسير في قوله تعالى {لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ} [البقرة: 78]، على أربعة أقوال:
أحدها: إِلاَّ أَمَانِيَّ: يعني: إلا كذباً. قاله ابن عباس (?)، وهو قول مجاهد (?)، واختيار الفراء (?)، والكلبي (?)، والزجاج (?) في احد قوليه، والطبري (?)، وابن كثير (?).
ومنه قول عثمان رضي الله عنه: " لا تغنيت ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم " (?)، فقوله (ما تمنيت) أي ما كذبت.
ومنه قول الشاعر (?):
ولكنما ذاك الذي كان منكما ... أمانّي ما لاقت سماء ولا أرضا
والثاني: {إِلاَّ أَمَانِيَّ}، يعني، أنهم يَتَمَنَّونَ على الله ما ليس لهم.