قال ابن عطية: "وأن ذلك ممكن في التوراة لأنهم استحفظوها، وغير ممكن في القرآن لأن الله تعالى ضمن حفظه" (?).
وقد اختلف أهل التفسير في الذين عنى الله بقوله {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ} [البقرة: 75]، على ثلاثة أقوال (?):
أحدهما: أنهم علماء اليهود والذين يحرفونه التوراة فيجعلون الحلال حراماً والحرام حلالاً ابتاعاً لأهوائهم وإعانة لراشيهم. وهذا قول مجاهد (?) والسدي (?)، وابن زيد (?).
والثاني: أنهم الذين اختارهم موسى من قومه، فسمعوا كلام الله فلم يمتثلوا أمره وحرفوا القول في إخبارهم لقومهم، وهذا قول الربيع بن أنس (?) وابن إسحاق (?)، واختاره الطبري (?).
واستنكره الحكيم الترمذي (?)، وابن عطية (?)، وابن الجوزي (?)، وقالوا: بأن التكليم، من فضائل موسى واختصاصه (?).
قلت: ولعل ترجيح الطبري لهذا القول، يكمن في كونه الأقرب إلى يدل عليه ظاهر الآية، إذ أخبر الله تعالى "عن خاص من اليهود، كانوا أعطوا من مباشرتهم سماعَ كلام الله ما لم يعطه أحد غير الأنبياء والرسل، ثم بدلوا وحرفوا ما سمعوا من ذلك" (?).
الثالث: وقيل: المراد بـ {كلام الله}: القرآن، والمراد بالفريق من كان في زمن محمد عليه الصلاة والسلام، قاله الرازي (?)، وشيخنا ابن عثيمين (?).
واستدلوا من وجهين:
الأول: لأن القرآن كلام الله؛ وقد قال الله تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} [التوبة: 6] أي حتى يسمع القرآن (?).
والثاني: لأن الضمير في قوله تعالى: {وقد كان فريق منهم} راجع إلى ما تقدم وهم الذين عناهم الله تعالى بقوله: {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم}، والذين تعلق الطمع بإيمانهم هم الذين كانوا في زمن محمد عليه الصلاة والسلام (?).
وذكر أهل التفسير في {كَلامَ اللَّهِ} [البقرة: 75]، الذي يسمعونه وجهين (?):
الأول: أنه الوحي، فكانوا يسمعون منه كما يسمع أهل النبوة، ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون.