وذكر الآلوسي في قوله تعالى {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [البقرة: 73]: ثلاة أوجه (?):

الأول: لكي تعقلوا الحياة بعد الموت والبعث والحشر، فإن من قدر على إحياء نفس واحدة قدر على إحياء الأنفس كلها، لعدم الاختصاص، قال تعالى: {ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ} [لقمان: 28].

والثاني: لكي يكمل عقلكم.

والثالث: لعلكم تمتنعون من عصيانه وتعملون على قضية عقولكم.

قال ابن عثيمين: " والعقل هو ما يحجز الإنسان عن فعل ما لا ينبغي؛ وهو خلاف الذكاء؛ الذكاء هو سرعة البديهة، والفهم؛ وقد يكون الإنسان ذكياً، ولكنه ليس بعاقل" (?).

الفوائد:

1. من فوائد الآية: أن قول الرسول قول لمرسله إذا كان بأمره؛ لقوله تعالى: {فقلنا اضربوه ببعضها}.

2. منها: أن البعض الذي ضرب به هذا القتيل من البقرة غير معلوم؛ لقوله تعالى: {ببعضها}؛ فقد أبهمه الله؛ ومحاولة بعض المفسرين أن يعينوه محاولة ليس لها داع؛ لأن المقصود الآية.

3. ومنها: أنه ينبغي لطالب العلم أن يعتني بمعنى القصة، وغرضها دون من وقعت عليه؛ لقوله تعالى: {ببعضها}؛ ولم يعين لهم ذلك توسعة عليهم؛ ليحصل المقصود بأيّ جزء منها؛ ولهذا نرى أنه من التكلف ما يفعله بعض الناس إذا سمع حديثاً أنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله .. " كذا وكذا؛ تجد بعض الناس يتعب، ويتكلف في تعيين هذا الرجل؛ وهذا ليس بلازم؛ المهم معنى القصة، وموضوعها؛ أما أن تعرف من هذا الرجل؟ من هذا الأعرابي؟ ما هذه الناقة مثلاً؟ ما هذا البعير؟ فليس بلازم؛ إذ إن المقصود في الأمور معانيها، وأغراضها، وما توصل إليه؛ فلا يضر الإبهام. اللهم إلا أن يتوقف فهم المعنى على التعيين.

4. ومن فوائد الآية: أن المبهم في أمور متعددة أيسر على المكلف من المعين؛ وذلك إذا كانوا قد أمروا أن يضربوه ببعضها فقط؛ فإذا قيل لك: "افعل بعض هذه الأشياء" يكون أسهل مما إذا قيل لك: "افعل هذا الشيء بعينه"؛ فيكون في هذا توسعة على العباد إذا خيروا في أمور متعددة. والله أعلم.

5. ومنها: أن هذه الآية من آيات الله عزّ وجلّ. وهي أن تكون البقرة سبباً لحياة هذا القتيل؛ إذ لا رابطة في المعقول بين أن تُذبح البقرة، ويضرب القتيل ببعضها، فيحيى.

القرآن

{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)} [البقرة: 74]

التفسير:

ولكنكم لم تنتفعوا بذلك؛ إذ بعد كل هذه المعجزات الخارقة اشتدت قلوبكم وغلظت، فلم يَنْفُذ إليها خير، ولم تَلِنْ أمام الآيات الباهرة التي أريتكموها، حتى صارت قلوبكم مثل الحجارة الصمَّاء، بل هي أشد منها غلظة؛ لأن من الحجارة ما يتسع وينفرج حتى تنصبَّ منه المياه صبًا، فتصير أنهارًا جاريةً، ومن الحجارة ما يتصدع فينشق، فتخرج منه العيون والينابيع، ومن الحجارة ما يسقط من أعالي الجبال مِن خشية الله تعالى وتعظيمه. وما الله بغافل عما تعملون.

قوله تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 74]، " أي: اشتدت وغلظت، فلم تؤثر فيها الموعظة" (?).

قال أبو العالية: " يعني به بني إسرائيل" (?). وروي عن ابن عباس (?) مثل ذلك.

قال الصابوني: "أي صلبت قلوبهم يا معشر اليهود فلا يؤثر فيها وعظٌ ولا تذكير" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015