وقد ذكر أن تسمية الحنطة والخبز جميعا " فوما " من اللغة القديمة. حكي سماعا من أهل هذه اللغة: (فوموا لنا)، بمعنى اختبزوا لنا (?).
قال الفراء: " فإن (الفوم) فيما ذكر لغةٌ قديمة، وهي الحِنْطَة والخُبْز جميعا قد ذُكِرا. قال بعضهم: سمعنا العرب من أهل هذه اللغة يقولون: فَوِّموا لنا، بالتشديد لا غير، يريدون اختبزوا" (?).
وقال الزجاج: " محال أن يطلب القوم طعاماً لا بُرَّ فيه، والبرُّ أصل الغذاءِ كله، ويقال فوِّمُوا لنا، أي اخْبِزُوا لنا، ولا خلاف عند أهل اللغة أن الفُوم الحنطة، وسائر الحبوب التي تخبز يلحقها اسم الفوم" (?).
وقال الجوهري: الفوم الحنطة وأنشد الأخفش (?):
قد كنت أحسبني كأغنى واجد ... نزل المدينة عن زراعة فوم
وقال ابن دريد: الفومة السنبلة، وأنشد (?):
وقال ربيئهم لما أتانا ... بكفه فومة أو فومتان
والقول الثاني: أنه (الثوم)، قاله مجاهد (?)، والربيع (?)، وهو اختيار الكلبي والنضر بن شميل والكسائي والمعرّج (?)، واحتجوا عليه بوجوه (?):
أحدها: يدل عليه قراءة ابن مسعود: {وثومها} (?).
الثاني: أن الثوم للعدس والبصل أوفق من الحنطة، ومنه قول حسان (?):
وأنتم أناس لئام الأصول ... طعامكم الفوم والحوقل
يعني الثوم والبصل.
الثالث: أن المراد لو كان هو الحنطة لما جاز أن يقال: أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير لأن الحنطة أشرف الأطعمة.
قال الفراء: وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه {وَثُومِهَا} بالثاء، فكأنّه أشبهُ المعنيين بالصواب لأنه مع ما يشاكله: من العدس وَالْبَصَلِ وشِبْهه، والعرب تُبدل الفاء بالثاء فيقولون: جدث وجَدَفٌ، ووقعوا فِي عاثُور شَرٍّ وعافُور شرٍّ، والأثاثي والأثافيّ. وسمعت كثيرًا من بْني أسد يسمّى المغافير (?) المغاثير" (?)، وذلك لتقارب مخرج الفاء من مخرج الثاء.
والقول الأول هو الأقرب إلى الصواب، وذلك لأن (الفوم)، الحنطة بلسان بني هاشم" (?). والله تعالى أعلم.
وقوله تعالى: {وَقِثَّائِها} [البقرة: 61]، فيه وجهان من القراءة (?):
الأول: قراءة العامة: {وَقِثَّائِها}، بكسر القاف.
والثاني: وقرأ يحيى بن وثاب، وطلحة بن مصرف، والأشيب العقيلي: {وَقُثَّائِها}، بضم القاف، وهي لغة تميم.