وقوله تعالى: {فِي الأرض مُفْسِدِينَ} [البقرة: 60]، " الجمهور على أنها أرض التيه، ويجوز أن يريدها وغيرها مما قدر أن يوصلوا إليها فينالها فسادهم، ويجوز أن يريد الأرضين كلها. وأل: لاستغراق الجنس. ويكون فسادهم فيها من جهة أن كثرة العصيان والإصرار على المخالفات والبطر يؤذن بانقطاع الغيث وقحط البلاد ونزع البركات، وذلك انتقام يعم الأرض بالفساد" (?).

وقد تعددت أقول أهل التفسير في معنى قوله تعالى: {وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ {[البقرة: 61]، على وجوه (?):

أحدها: ولا تسعوا في الأرض فسادا. قاله أبو العالية (?)، وروي عن ابن عباس (?)، نحو ذلك.

والثاني: لا تسيروا في الأرض مفسدين. قاله قتادة (?).

والثالث: ولا تطغوا. قاله ابن زيد (?).

والرابع: لا تتظالموا الشرب فيما بينكم، لأن كلّ سبط منكم قد جعل له شرب معلوم.

والخامس: لا تؤخروا الغذاء، فكانوا إذا أخروه فسد.

والسادس: وقيل: معناه لا تخالطوا المفسدين.

والسابع: وقيل: معناه لا تتمادوا في فسادكم.

وهذه الأقوال كلها قريب بعضها من بعض (?)، ضمن المعنى الصحيح، ألا وهو عدم نشر الفساد في الأرض، يقال" عَثَا، إِذَا نشر الشّرّ وَالْفَساد وَأَثَار الْخُبْث، فَهُو أَخَص مِنْ مُطْلَقِ الْإِفْسَاد وَذَلِك مَعَ كَوْن (مُفْسِدِينَ) حَالًا مِن ضمِير {تَعْثَوْا} " (?).

قال أبو حيان: " واحتجت المعتزلة بهذه الآية على أن الرزق هو الحلال، لأن أقل درجات هذا الأمر أن يكون للإباحة، واقتضى أن يكون الرّزق مباحاً، فلو وجد رزق حرام لكان الرزق مباحاً وحراماً، وأنه غير جائز. والجواب: إن الرزق هنا ليس بعادم هذا أريد به المن والسلوى والماء المنفجر من الحجر، ولا يلزم من حلية معين مّا من أنواع الرّزق حلية جميع الرّزق، وفي هذه الآية دليل على جواز أكل الطيبات من الطعام، وشرب المستلذ من الشراب، والجمع بين اللونين والمطعومين، وكل ذلك بشرط الحل" (?).

الفوائد:

1 من فوائد الآية: مشروعية الاستسقاء عند الحاجة إلى الماء؛ لأن موسى استسقى لقومه؛ وشرع من قبلنا شرع لنا إن لم يرد شرعنا بخلافه؛ فكيف وقد أتى بوفاقه؟ ! فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي في خطبة الجمعة (?)، ويستسقي في الصحراء على وجه معلوم (?).

2 ومنها: أن السقيا كما تكون بالمطر النازل من السماء تكون في النابع من الأرض.

3 ومنها: أن الله سبحانه وتعالى هو الملجأ للخلق؛ فهم إذا مسهم الضر يلجؤون إلى الله سبحانه وتعالى.

4 ومنها: أن الرسل. عليهم الصلاة والسلام. كغيرهم في الافتقار إلى الله سبحانه وتعالى؛ فلا يقال: إن الرسل قادرون على كل شيء، وأنهم لا يصيبهم السوء.

5 ومنها: رأفة موسى بقومه؛ لقوله تعالى: {وإذا استسقى موسى لقومه}.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015