والرابع: إنهم قالوا: " هطى سمقا يا ازبة هزبا "، وهو بالعربية: حبة حنطة حمراء مثقوبة فيها شعيرة سوداء. قاله ابن مسعود (?).

والخامس: وقال أبو مسلم: إن المراد بقوله تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} [البقرة: 59]: أنهم لم يفعلوا ما أمرهم الله به، ولم يلتفتوا إليه، لا على أنهم أتوا له ببدل، ودلل على قوله ذلك بقوله-عز وجل-: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} [الفتح: 15]، ولم يكن تبديلهم إلا الخلاف في الفعل لا في القول فكذلك هنا (?).

وهذا قول بعيد؛ لأن ظاهر الآية والأحاديث الصحيحة تبطله، والله أعلم.

وحاصل ما ذكره المفسرون وما دل عليه السياق أنهم بدلوا أمر الله لهم من الخضوع بالقول والفعل، فأمروا أن يدخلوا سجدًا، فدخلوا يزحفون على أستاههم من قبل أستاههم رافعي رؤوسهم، وأمروا أن يقولوا: حطة، أي: احطط عنا ذنوبنا، فاستهزؤوا فقالوا: حنطة في شعرة، وهذا في غاية ما يكون من المخالفة والمعاندة؛ ولهذا أنزل الله بهم بأسه وعذابه بفسقهم، وهو خروجهم عن طاعته؛ ولهذا قال: {فَأَنزلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} " (?)، ومعنى السجود في قوله تعالى عند الدخول، أي: "الانحناء شكراً لله تعالى لا لأن بابها قصير كما قيل، إذ لا جدوى له، والظاهر أن المقصود من السجود مطلق الانحناء لإظهار العجز والضعف كيلا يفطن لهم أهل القرية وهذا من أحوال الجوسسة، ولم تتعرض لها التوراة ويبعد أن يكون السجود المأمور به سجود الشكر لأنهم داخلون متجسسين لا فاتحين وقد جاء في الحديث الصحيح أنهم بدلوا وصية موسى فدخلوا يزحفون على استاهم كأنهم أرادوا إظهار الزمانة فأفرطوا في التصنع بحيث يكاد أن يفتضح أمرهم لأن بعض التصنع لا يستطاع استمراره" (?).

وقوله تعالى: {رِجْزاً} [البقرة: 59]، فيه وجهان من القراءة (?):

الأول: {رِجْزاً}، بكسر الراء. وهي قراءة الجماعة.

والثاني: {رُجْزاً}، بضم الراء، قرأ بها ابن محيصن.

قال القرطبي: "والرجز: العذاب "بالزاي" و"بالسين": النتن والقذر، ومنه قوله تعالى {فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ} [التوبة: 125]، أي نتنا إلى نتنهم قاله الكسائي وقال الفراء الرجز هو الرجس، قال أبو عبيد: كما يقال السدغ والزدغ وكذا رجس ورجز بمعنى، قال الفراء: وذكر بعضهم أن الرجز "بالضم" اسم صنم كانوا يعبدونه وقرئ بذلك في قوله تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} والرجز "بفتح الراء والجيم" نوع من الشعر وأنكر الخليل أن يكون شعرا وهو مشتق من الرجز وهو داء يصيب الإبل في أعجازها فإذا ثارت ارتعشت أفخاذها" (?).

وقال الراغب: "أصل الرجز: الاضطراب، ومنه قيل: رجز البعير رجزا، فهو أرجز، وناقة رجزاء: إذا تقارب خطوها واضطرب لضعف فيها، وشبه الرجز به لتقارب أجزائه وتصور رجز في اللسان عند إنشاده، ويقال لنحوه من الشعر أرجوزة وأراجيز، ورجز فلان وارتجز إذا عمل ذلك، أو أنشد، وهو راجز ورجاز ورجازة. وقوله: {عذاب من رجز أليم} [سبأ: 5]، فالرجز ههنا كالزلزلة، وقال تعالى: {إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء} [العنكبوت: 34]، وقوله: {الرجز فاهجر} [المدثر: 5]، قيل: هو صنم، وقيل: هو كناية عن الذنب، فسماه بالمآل كتسمية الندى شحما. وقوله: {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان} [الأنفال: 11]، والشيطان عبارة عن الشهوة على ما بين في بابه. وقيل: بل أراد برجز الشيطان: ما يدعو إليه من الكفر والبهتان والفساد. والرجازة: كساء يجعل فيه أحجار فيعلق على أحد جانبي الهودج إذا مال (?)، وذلك لما يتصور فيه من حركته، واضطرابه" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015